الجزء التاسع
عزلاء امام سطوة ماله
_ مفاجآت ! _
رفعت "سمر" رأسها بسرعة لتنظر إلي محدثها
كان شابا في مقتبل عمره ، ملامحه نبيلة و جذابة ، يرنو إليها بعينان بنيتان تتسمان بالجرآة و الثقة ، و علي فمه إرتسمت إبتسامة خفيفة جدا ..
-نعم حضرتك ! .. قالتها "سمر" بإستفهام :
-أقدر أساعدك في حاجة ؟!
تحدث الأخير بإتزان ممزوج بالهدوء :
-أنا جاي أقابل المدير.
-في معاد سابق طيب ؟؟
-لأ .. قوليله بس مراد أبو المجد.
أومأت "سمر" بينما أرسلت يدها إلي موضع الهاتف الذي يصل بين مكتبها و مكتب مديرها
رفعت السماعة ، ليأتيها صوته بعد ثوان :
-في إيه يا سمر ؟
سمر بصوت ثابت و رقيق :
-آسفة يافندم . بس في واحد عندي هنا طالب يقابل حضرتك . بيقول إسمه مراد أبو المجد !
عثمان بسرعة :
-دخليه حاالا !
-حاضر يافندم.
و وضعت السماعة ، ثم نظرت إليه و قالت بإبتسامة :
-إتفضل حضرتك .. عثمان بيه منتظرك جوا.
و أشارت نحو مكتب المدير
شملها "مراد" بنظرة فاحصة سريعة ، ثم حيد عنها و توجه صوب غرفة المكتب ..
ولج بإبتسامة واسعة و هو يهتف :
-أنا قلت أعملهالك مفاجأة و أطب عليك يوم الإفتتاح علي غفلة منها أخضك و منها أباركلك !
قهقه "عثمان" بمرح كبير و هو ينهض من خلف مكتبه و يتجه نحو صديقه المقرب قائلا :
-مش أنا إللي أتخض ياض يا --- ده أن أخض عشرة زيك و أنا واقف هنا مكاني.
و فتح ذراعاه ليحتضنه بقوة
إحتضنه "مراد" هو الأخر و ربت بقوة علي كتفه و هو يقول :
-واحشني يا عثمان.
عثمان بغبطة :
-و إنت كمان ياض .. عامل إيه ؟
و تباعدا ، ليجيبه "مراد" :
-تمام الحمدلله . إنت إيه أخبارك ؟
عثمان و هو يلوح بيده في حركة دائرية :
-أهو زي ما إنت شايف . مطحون في الشغل الجديد .. تعالي نقعد.
و جلسا في الجهة الأخري من الغرفة فوق آريكة عصرية الشكل ..
-قولي بقي يا سيدي . جاي في إيه ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو يرمق صديقه بنظرات فرحة
بينما قال "مراد" :
-مش في حاجة . أنا نويت بس إستقر هنا.
عثمان بغرابة :
-لا و الله ! ليه كده يابني ؟ أوام زهقت من أوروبا و من بنات أوروبا ؟؟؟
نطق جملته الأخيرة مبتسما بخبث ، ليرد الأخير ضاحكا :
-يابني أنا راجل صحتي علي أدي مش أد الحاجات دي ، ده أنا ماشي بالبركة.
عثمان بغمزة :
-علي بابا يالا ؟ .. إطلع منهم ده أنا عاجنك و خابزك.
-طب يا عم أنا لسا في ليڤل المبتدئين إنما إنت دكتور في الموضوع.
عثمان ببراءة مصطنعة :
-ده أنا ؟ أستغفر الله العظيم !
مراد رافعا أحد حاجبيه :
- لا يا راجل ؟ إسم الله عليك قال يعني قلبت شيخ جامع في 7 شهور ! ده إنت حرمجي أد الدنيا.
-آه يابن الـ---- !
-ده إنت إللي فسدت أخلاقي ، ملفاتك السودا كلها معايا.
-طب أسطر عليا.
و إنفجرا في الضحك معا ، ليكمل "مراد" :
-نسيت عملت إيه في العجمي الصيف إللي فات ؟ إنت يا صاحبي مابتعرفش حريم لأ . ده إنت بتفطر و بتتغدي و بتتعشي حريم.
-خلااااص الله يخربيتك هتجبني الأرض بعين أمك دي . يا صديق السوء .. ثم إبتسم و قال :
-و الله يابني بقالي كتير مانزلتش الملعب .. زهقت ، تصدق محتاج أجدد نشاطي ! محتاج أعمل Refresh.
و هنا صاح "مراد" بإستذكار :
-آاااه صحيح كنت هتنسيني .. إنت إيه إللي هببته مع چيچي ده ؟ إنت كنت في وعيك لما عملت ده كله ؟؟؟!!
عثمان و قد تجهم وجهه فجأة علي إثر سيرة زوجته السابقة ..
عثمان بإقتضاب :
-إفتكرلي حاجة حلوة ونبي .. ماتعكرش مزاجي في يوم زي ده.
مراد بحذر :
-إيه إللي حصل بس يا عثمان ؟ ده إنتوا إتجوزتوا !!!
ما زال علي صمته ، فتنهد "مراد" بثقل و حاول مرة أخري ..
مراد بلهجة هادئة :
-عثمان .. إحكيلي يا صاحبي . طول عمرنا بنحكي لبعض .. قولي بس ليه طلقتها ليلة جوازكوا ؟ شفت عليها حاجة ؟!
-خاينة ! .. قالها "عثمان" بغضب شديد ، ليرتد "مراد" متمتما :
-خاينة ؟ .. إنت . إنت إتأكدت كويس طيب ؟ مش يمكن تكون بريئة ؟ مش يمكن إنت ماخدتش بالك من حاجة !
عثمان و هو يقول بإستهجان :
-هو أنا تلميذ و لا إيه ؟ .. ثم أردف بعدم إهتمام :
-و بعدين أنا مالمستهاش أصلا.
مراد بدهشة :
-الله ! طب بناءاً علي إيه بتقول خاينة ؟؟!!
نظر إليه "عثمان" في صمت لبعض الوقت ، ثم بدأ يسرد عليه كافة التفاصيل ...
في قصر آل "بحيري" ... يصلا كلا من "يحيى" و "فريال" إلي المنزل أخيرا ، و بمفردهما
يعبرا البوابة الضخمة بتلك السيارة الفارهة ، يصفها "يحيى" بإهمال وسط الساحة الداخلية ، ليأتي البستاني و يأخذ مكانه ليدخلها إلي الكراچ ..
تتجه "فريال" في هذه الأثناء إلي الدرج المؤدي لباب المنزل ، يلحق بها "يحيى" مسرعا ، ثم يمسك بذراعها و يديرها إليه مغمغما بغلظة :
-إنتي كده بتزويدها أوي يا فريال .. مش شايفة إنك مكبرة الموضوع ؟؟؟
فريال بجفاء و هي تحاول أن تخلص ذراعها من قبضته :
-الموضوع كبير يا يحيى . إنت فعلا مش مهتم بإللي حصل لإبن أخوك و فوق كده رايح تشد معاه في المستشفي إنهاردة.
يحيى بعصبية :
-عايزاني أعمل يعني ؟ ما أنا علي إيدك روحت قابلت رئيس النيابة عشان أقدم بلاغ في رشاد بس قالي طالما مافيش دليل يبقي ماينفعش يتوجهله إتهام عشان عضو زفت مجلس شعب.
-بردو إنت مش عايز تتعب نفسك في الموضوع . و مش مقدر إن صالح فدا إبننا يعني لو ماكنش هو إللي أخد العربية و طلع بيها في الليلة دي كان عثمان هو إللي ركبها و كان زمانه مكانه دلوقتي .. الله لا يقدر طبعا !
يحيى متآففا بضيق :
-أنا مابقتش عارف أرضي مين و لا مين في البيت ده . مهما بعمل محدش فيكوا بيحس . بفضل أصلح في غلط كل واحد و في الأخر كلكوا بتضغطوا علي أعصابي بطريقة مستفزة !
و كاد يتجازوها إلي الداخل ، فأمسكت بيده قائلة :
-خلاص .. خلاص يا يحيى . أنا آسفة.
أغمض عيناه لبرهة و هو يتنفس بعمق ، ثم إستدار إليها و قال بهدوء :
-أنا مش فرحان في إللي حصل لإبن أخويا يا فريال . صالح ده إبني . زيه زي عثمان و صفية بالظبط .. رفعت بس إللي طول عمره واخد مني موقف و لا مرة قدرت أفهمه !
إبتسمت "فريال" بخفة ، ثم وضعت كفها علي وجهه و قالت :
-أنا عارفة إن مافيش في الدنيا قلب أطيب من قلبك .. عشان كده حبيتك يا يحيى . ماتزعلش مني.
يحيى مبتسما بحب :
-أنا مش ممكن أزعل منك يا فريال .. إنتي حبيبتي . و أنا إللي مقدرش أزعلك أبدا.
و أرسل نظرات عاشقة إلي عيناها الملونتين ، ثم أخذ كفها الذي إحتضن وجهه ، و رفعه إلي فمه ليطبع قبلة عميقة مطولة في باطنه
إتسعت بسمتها أكثر ، و ألقت برأسها خجلة علي كتفه ، ليلف ذراعه حول خصرها و يكملا معا طريقهما إلي الداخل ...
-يانهار أزرق ! .. قالها "مراد" بصيحة ذاهلة ، و تابع :
-عملت كده قبل فرحكوا بإسبوع ؟ جالها قلب تعملها إزاي بنت الـ--- دي ؟! .. ثم تساءل بإهتمام :
-طيب و إنت عرفت إزاي الحوار ده ؟؟؟
عثمان و هو يشعل سيكارة بحاجبين معكوفين :
-أبدا .. في الفترة الأخيرة لاقيت أحوالها معايا مش متظبطة . مابتقابلنيش كتير . مابتتصلش بيا ، و الكبيرة بقي !
مراد بإصغاء :
-إيه ؟؟؟
عثمان و هو ينفث الدخان من فمه بترو ، ثم قال :
-كنا بنتعشا مع بعض برا .. و إحنا بنتكلم . فجأة إتلغبطت و قالت إسمه بدل إسمي.
مراد بتركيز :
-ها و بعدين ؟!
-و لا حاجة بقي .. عملت فيها عبيط و فوتها . بس تاني يوم كنت مكلف واحد يراقبهالي 24 ساعة . هما يومين . و كان جايبلي الڤيديو الجميل بتاعها .. قال جملته الأخيرة بتهكم مرير ، و أكمل :
-ماخلتهاش تحس بأي حاجة .. بالعكس . إتصرفت عااادي جدا . و زودت إهتمامي بيها كمان . مثلت كويس يعني .. لحد ليلة الفرح.
-أه .. أكيد إدتها العلقة التمام.
عثمان بسخرية مرحة :
-إنت تعرف عني كده ؟ يابني أنا مابحبش العنف . كل حاجة بتيجي معايا بالحب.
ضحك "مراد" من قلبه ، ثم قال :
-ماشي يا حكيم عصرك .. طب عملت إيه قولي ؟؟
عثمان و هو يتأمل وهج السيكارة بين إصبعيه :
-ماعملتش حاجة .. مضيتها بس علي تنازل.
-تنازل عن إيه ؟!
-عن حقوقها و عن حصتها في الشركة دي ، ما أنت عارف . أبوها دخلها شريكة معايا .. بس أهو . أديها ماطلتش قشاية . و أنا خرجت منها كسبان و عوضت فلوس الفرح إللي عملتهولها.
مراد بإعجاب :
-معلم يا صاحبي .. معلم و منك نتعلم . شيطان بجد !
عثمان بضحك :
-جري إيه ياعم ! كلكوا ماعندكوش إلا الكلمة دي ؟ حتي صالح ماسكلي فيها.
-آاااه صاالح ! كنت هتنسيني تاني .. هو عامل إيه دلوقتي ؟ أنا قريت الخبر من يومين !
عثمان بجدية :
-أهو كويس الحمدلله . إتصلت بأبويا من شوية و قالي إنه فاق إنهاردة الصبح .. إن شاء الله هخلص شغل و هروح المستشفي أشوفه.
-طيب هروح معاك بقي . لازم أزوره و أطمن عليه.
-أووك .. شوية كده و هنقوم نروحله سوا .. ثم سأله :
-إنت لسا جاي إنهاردة صح ؟
-أنا جاي من عالمطار عليك علطول.
-طيب أكيد جعان بقي و أنا كمان مافطرطش أصلا .. دلوقتي معاد الـBreak يجي و هخلي سمر تطلبنا غدا.
مراد بإستفسار و هو يشير بإصبعه نحو الباب :
-سمر دي السكرتيرة إللي قاعدة برا ؟!
عثمان عابسا بإستغراب :
-آه .. بتسأل ليه ؟!
-أصلي بصراحة أول ما شوفتها إتصدمت !
-إتصدمت ؟ .. ليه ؟؟!
-مش تيبك يعني . جايبلي بنت محجبة و لبسها واسع و مقعدها برا . حسيت إني داخل محل عبايات في التوحيد و النور .. و ضحك إثر جملته الأخيرة
بينما رد عثمان في لامبالاه :
-هنا مكان شغل يا مراد .. مش Night Club هاجيب نسوان حلوة ليه ؟ أنا جاي أشتغل مش جاي أعمل حاجة تانية.
مراد بجدية :
-لأ يا عثمان بصراحة البت حلوة أوووي و Babyface كده . أومال أنا ليه قلت مش تيبك ؟ إنت متعود عالبجحين . إنما دي شكلها غير . رغم إنها كانت نازلة حب في التليفون برا مع واحد بس شكلها بردو آا ..
-نازلة حب مع واحد ! .. قاطعه "عثمان" بتساؤل ، ليرد :
-أه . و أنا داخل عليها سمعتها بتكلم واحد و نازلة فيه حب . شكله خطيبها !
عثمان بوجوم :
-لأ . مش مخطوبة.
-و إنت إيش عرفك ؟؟
عثمان . بعد صمت قصير :
-مافيش دبلة في إيديها .. ثم تنفس بعمق ، و قال مغيرا مجري الحديث :
-المهم .. ماقولتليش أمك و أبوك عاملين إيه ؟؟
مراد و هو يهز كتفاه بخفة :
-كويسين .. مارضيوش يجوا معايا ، قالوا قاعدين هناك !
إنتهي الدوام أخيرا .. و عادت "سمر" إلي بيتها
لم يكن يومها شاق ، ربما لأنه أول يوم ..
دخلت "سمر" إلي البيت ، و بدأت في صعود الدرج ، لتسمع صوت جلبة آتية من الطابق الثاني حيث يقطن العم "صابر" و زوجته السيدة "زينب" ..
صعدت "سمر" الدرجات المتبقية بسرعة ، حتي وصلت إلي الطابق المنشود
توجهت صوب هذه الشقة المفتوحة ، لتري أخيها واقفا هناك في الداخل
عرفته من ظهره و .. من صوته العال ..
-لو سمحتي يا حجة زينب دي حاجة تخصني أنا ، أنا مش موافق . أنا حر .. قالها "فادي" بهتاف حاد و قد كان يحمل "ملك" علي ذراعه ..
إقتربت "سمر" في اللحظة التالية و تساءلت بقلق :
-في إيه يا جماعة ؟ في إيه يا فادي بتزعق كده ليه ؟؟؟
إلتفت إليها و قال بغضب :
-إطلعي إنتي فوق دلوقتي !
سمر بإستغراب :
-حصل إيه طيـ ..
و ما كادت تكمل جملتها ، ليصرخ بوجهها :
-قولتلك إطلعي فوق . و خدي ملك معاكي.
و ناولها الصغيرة و عيناه تشعان نارا ..
أخذت "سمر" أختها و صعدت إلي شقتها حين أدركت أنه لا مناص من إطاعة "فادي"
تركت الباب مفتوح ، و جلست بالصالون المقابل في إنتظار مجيئ أخيها ..
لم يغيب طويلا ، حضر "فادي" بعد دقيقة تقريبا
كانت "ملك" مستيقظة و لكنها هادئة ، فتركتها "سمر" علي الآريكة ، ثم مشت نحو شقيقها ..
-إيه إللي حصل ؟ .. تساءلت "سمر" متجهمة :
-كنت بتزعق للحاجة زينب ليه ؟؟؟
فادي بغضب مضاعف و قد أحمـّر وجهه أكثر :
-جايبالك عريس !!!
الجزء العاشر
عزلاء امام سطوة ماله
_ كبرياء ! _
أجفلت في إستغراب ممزوج بالتوتر ، و رددت :
-جايبالي عريس ! .. ثم إنتفضت بعد برهة و هي تكمل بإستنكار حاد :
-بس بردو ده مش مبرر يخليك تزعق للست كده . دي في مقام ماما الله يرحمها و يعتبر مربيانا !
فادي بغضب :
-في مقام ماما و مربيانا علي عيني و راسي . لكن تفتكر نفسها واصية علينا لأ.
-إنت شوفتها جابت بندقية و هددتك بيها يا توافق يا تقتلك ؟ الست عرضت عليك الموضوع و إنت رفضت خلاص خلصنا.
فادي بعصبية مفرطة :
-لأ ماخلصناش . لازم الكل هنا يلزم حدوده و محدش يفكر يتدخل فينا.
سمر بغضب :
-عايز تعمل إيه ؟ هه ؟ هتروح تتخانق معاها تاني ؟ بقت دي أخلاقك دلوقتي ؟!
ضغط "فادي" علي فكيه بحنق شديد و هو يشيح بوجهه عنها ، بينما تابعت "سمر" متسائلة :
-ثم تعالي هنا قولي ! .. إنت عصبي كده ليه ؟ فيها إيه لو جالي عريس ؟ ده إنت أكتر واحد متحمس للفكرة و إمبارح بس كنت بتشجعني عليها .. إيه إللي حصل بقي ؟!!
فادي و قد عاوده الغضب الشديد مرة أخري :
-إللي حصل إن الست إللي في مقام ماما و مربيانا زي ما بتقولي كانت عايزة تجوزك خميس إبن المعلم رجب الجزار !
ذهلت "سمر" في البادئ و هي تتخيل كلامه !
إذن له الحق .. نعم له ملء الحق ليغضب ، إذ أن هذه العائلة كلها أرباب سجون و محبي للمشاكل ، صيتهم ذائع في كل مكان بأنهم أشد شرا عن غيرهم داخل منطقتهم أو خارجها ..
-طيب .. قالتها بهدوء غامض ، ليستوضحها "فادي" بحدة :
-طيب إيه ؟؟!!
-طيب خلاص الموضوع إنتهي .. و لو إني شايفة إننا خسرنا.
فادي بإستهجان :
-نعم ياختي !!
سمر ضاحكة بمزاح :
-أه و الله خسرنا . علي الأقل كنا هناكل لحمة ببلاش.
و إستمرت في الضحك ، ليتحول عبوس "فادي" إلي تعبيرات منفرجة ، ثم يقول مقاوما الإبتسام :
-إنتي بتهرجي صح ؟ .. طيب إسكتي بقي عشان ماتعصبش عليكي !
و إنفجر ضاحكا هو الأخر ..
تشاركا معا الضحك للحظات قبل أن يصيح "فادي" بإستذكار :
-أه صحيح .. قوليلي عملتي إيه في الشغل ؟ أول يوم كان كويس و لا إيه ؟!!
سمر و هي تهز كتفاها بخفة :
-الحمدلله .. كان كويس أه.
-محدش ضايقك يعني ؟؟
سمر بضحك :
-مين إللي هيضايقني بس يابني ؟ ده مكان شغل . حد هناك فاضي للكلام ده بردو ؟!
فادي بشيء من الحدة :
-أه فاضيين . و خدي بالك كويس بالذات من مديرك ده . أنا مش مرتاحله أصلا.
-يابني إنت كنت شوفته قبل كده !!
فادي بعدم إرتياح :
-مش مرتاحله و خلاص . خدي بالك منه و لو حاول يعمل معاكي أي حاجة تسيبي الشغل فورا سامعة ؟؟
أدارت عيناها معبرة عن ضيقها و هي تقول :
-اففف .. حاضر يا فادي . لو صدر منه ليا أي حاجة مخلة للآداب هسيبله الشغل علطول.
فادي بغيظ :
-بتتريقي ؟؟؟!
ضحكت "سمر" بخفة ، ثم إقتربت منه و ربتت علي كتفه قائلة :
-بس لو تبطل الوساوس بتاعتك دي يا فادي ! إطمن يا حبيبي . أنا هبقي كويسة . كلنا هنبقي كويسين إن شاء الله و قريب مش هنحتاج لأي حد.
و هنا برز صوت نشيج "ملك" المتقطع ، لتبتسم "سمر" و تستدير ماشية صوب الآريكة حيث تجلس أختها ، ثم تقول :
-حاضر يا حبيبتي . عارفة . عارفة إنك جوعتي . هحضرلك أحلي أكل دلوقتي !
في المشفي الخاصة بإستقبال النزلاء الأثرياء فقط ..
يصعد كلا من "عثمان" و "مراد" إلي الطابق الرابع حيث جناح "صالح" المترف يقع هناك
ينقر "عثمان" علي الباب نقرتين متتاليتن ، ثم يدير المقبض و يدفعه
كانت "هالة" تجلس بجوار شقيقها عندما دخل إبن عمها و صديقه و قد إتخذت مكان "صفية" التي ذهبت إلي المنزل لتنول لتقسطا من الراحة ..
-أهلا عثمان . إزيك .. قالتها "هالة" بإبتسامة خاصة لـ"عثمان" وحده ، ليرد عليها بإبتسامة عادية :
-أهلا يا هالة .. الحمدلله كويس . إزيك إنتي ؟
-كويسة.
-أهلا أهلا بإبن عمي الندل . لسا فاكر تيجي تطمن عليا ؟ .. قالها "صالح" مبتسما بصعوبة
فضحك "عثمان" و هو يقترب ليجلس في كرسي أخر مجاور لسريره ، ثم قال بلطافة :
-عامل إيه يا واد ؟ تمام و لا خلاص بركت زي الجمل ؟!
-بتتريق يا خويا ! ما أنا لو بركت زي الجمل هتبقي إنت السبب مش كنت سايق عربيتك ؟ .. ثم نظر إلي "مراد" و صاح :
-و مراااد كمان هنا ! لا لا ده كتير عليا و الله.
مراد بإبتسامة :
-إزيك يا صالح ؟ ألف سلامة عليك.
-الله يسلمك يا سيدي . تعالي أقعد .. ثم طلب من "هالة" :
-لو سمحتي يا هالة قومي خلي مراد يقعد.
مراد يرفض :
-لأ تقوم إزاي ! خليكي يا هالة أنا مستريح كده.
هالة بإبتسامتها الرقيقة :
-تعالي يا مراد أقعد مكاني . أنا أصلا تعبت من القعدة . هروح أجيب قهوة من البوفيه تحت و هجيب كرسي كمان و أنا جاية .. تحبوا أجيبلكوا قهوة معايا ؟؟
عثمان / مراد :
-أه يا ريت !
رمقتهم بإبتسامة أخيرة ، ثم خرجت ..
-إيه يا عم مراد . جاي إقامة و لا زيارة ؟ .. قال "صالح" بتساؤل ، ليجيب "مراد" :
-جاي إقامة يا صاحبي . نويت إستقر هنا خلاص . بس و الله ما كنت مخطط أرجع اليومين دول أصلا أنا نزلت بسرعة عشانك . لما قريت الخبر حجزت تذكرة تاني يوم علطول.
-فيك الخير .. طمرت فيك العشرة ياض.
و هنا تدخل "عثمان" ..
عثمان بجدية :
-المهم قولي .. إنت كويس ؟ حاسس إنك تمام يعني ؟؟؟
صالح بوساطة :
-يعني ! .. مش قادر أتحرك خالص و جسمي كله بيوجعني خصوصا ضهري . بس تمام . أكيد كل ده هيتعالج بسرعة إن شاء الله.
عثمان و هو يربت بلطف علي كتفه :
-إن شاء الله .. ثم قال بصوته العميق :
-رشاد الحداد كان قاصدني أنا . بس جت فيك . للآسف ماعرفتش أثبت عليه حاجة . بس قولي يا صالح .. إنت حاطط الموضوع في دماغك ؟ لو شايلها في نفسك قولي و أنا أساويهولك بالأرض . مش هيهمني حد و إنت عارف.
تنهد "صالح" تنهيدة طويلة ، ثم قال :
-خلاص يا عثمان .. سيبه . إحنا مش ناقصين مشاكل تاني . و أنا قريب هقوم علي رجلي بإذن الله.
عثمان بإلحاح ممزوج بالغضب :
-مش إحنا إللي عملنا المشاكل . و كمان أنا مش عايز أسيب حقك . يعني أنا لو كنت مكانك كنت هتقف ساكت ؟؟؟
صالح بدون تردد :
-لأ طبعا ! .. ثم أكمل و هو ينظر إلي "مراد" :
-بس أنا بقول طالما بقيت كويس يبقي مافيش داعي نشوشر علي نفسنا . و لا إنت إيه رأيك يا مراد ؟!
مراد موافقا :
-صالح بيتكلم صح يا عثمان . أي حاجة ممكن تعملها ممكن تتقلب ضدك و كمان مافيش حاجة هترجع إللي فات . تقدر تقولي لو إتعرضتله بالآذي هتستفيد إيه ؟!
عثمان بشراسة :
-هبقي رديت إعتباري و إعتبار عيلتي كلها و فهمته كويس أنا مين عشان يفكر ألف مرة بعد كده قبل ما يحاول يآذيني.
-هو خلاص هيحرم يتعرض لأي واحد فيكوا تاتي . متنساش رقبته تحت رجلك و لسا الڤيديو بتاع بنته معاك .. المهم ماتتهورش و عديها المرة دي علي خير !
عادت "هالة" في هذه اللحظة حاملة طقم القهوة بين يديها ، لينقطع حديثهم الحاد ، و يتطوع "مراد" بالإبتسام عن صديقيه الصامتين الواجمين ..
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" باكرا و تهم من فراشها بنشاط
إستغلت إستغراق "ملك" في النوم و ذهبت لتؤدي بعض الواجبات المنزلية ..
نظفت الشقة سريعا ، أحضرت الفطور ، إيقظت "فادي" كي لا يتأخر علي جامعته ، ثم إتجهت إلي الحمام
إغتسلت و توضأت ، ثم خرجت و أدت سنة الضحى ..
إنتهت من صلاتها و قامت لتبدل ملابسها
كانت تثبت ربطة حجابها عندما إستيقظت "ملك" في هذه الأثناء و كالعادة باكية ، هرولت "سمر" إليها و حملتها من سريرها الصغير
ضمتها إلي صدرها بحنان و هي تتمتم مغنية بعذوبة في أذنها ..
هدأت "ملك" نسبيا ، بينما أخذتها "سمر" إلي "فادي" حيث كان يجلس هناك بالصالة و يتناول فطوره
أقبلت عليه "سمر" و هي تتحسس جبين أختها و تقول بقلق :
-فادي ! .. شكل ملك تعبت تاني و لا إيه ؟!
ترك "فادي" طعامه في الحال ، و مد يده و إحتوي وجهها الصغير بكفه الكبير ..
فادي بإبتسامة هادئة :
-لأ .. مافيهاش حاجة.
-أومال أنا حاسة إن حرارتها عليت ليه ؟؟
-إنتي بتقلقي عليها دايما يا سمر .. إطمني مافيهاش حاجة.
سمر و هي تحتضنها بقوة :
-يا رب .. ربنا يشفيكي يا حبيبتي !
ثم طبعت قبلة عميقة علي وجنتها المكتنزة
بينما قام "فادي" و هو يلتقط حقيبة ظهره من فوق الطاولة ، و قال :
-يلا بقي أنا لازم أمشي دلوقتي عشان ورايا إمتحان بعد ربع ساعة . يدوب يعني مسافة سكة .. ثم سألها بإهتمام :
-إنتي هتعملي إيه دلوقتي ؟؟؟
-و لا حاجة . هخلي ملك عند الحاجة زينب زي إمبارح و بعدين هروح علي شغلي.
فادي بضيق :
-تاني الحاجة زينب !
سمر بلوم :
-إسكت بقي مش كفاية إللي عملته إمبارح . يا رب بس ماتكونش زعلت منك أوي .. ثم قالت مقترحة :
-بقولك إيه ! .. ماتنزل معايا و إعتذرلها.
فادي برعونة خفيفة :
-نعم يا ماما ؟ أنا مابعتذرش لحد . و إنتي كمان إياكي تفتحي الموضوع سامعة ؟ .. يلا أنا ماشي.
و غادر "فادي" بينما جمعت "سمر" أغراض "ملك" ثم أخذتها و هبطت إلي شقة السيدة "زينب"
طرقت بابها و إنتظرت لثوان ، فتحت لها السيدة و رحبت بها ..
"زينب" ببشاشة :
-أهلا أهلا ببناتي الحلوين . إزيك سمر ؟ إزيك يا ملوووكة ؟
و مدت ذراعيها لتتلقي "ملك" ..
فناولتها "سمر" الصغيرة و هي تقول بإبتسامة :
-الحمدلله يا ماما زينب كويسة . إنتي إزي حضرتك ؟
-في نعمة يابنتي . نشكر ربنا . تعالي إدخلي واقفة عالباب ليه ؟!
ولجت "سمر" و تبعت السيدة إلي حجرة الجلوس
جلست قبالتها و هي تبحث عن الكلمات المناسبة لتبدأ بها حديثها ..
سمر بإرتباك و حيرة :
-ماما زينب أنآاا . إحم . أنا كنت عايزة .. كنت عايزة أقول يعني آاا ..
زينب بضحك :
-في إيه بس يابنتي ؟ علي مهلك عايزة تقولي إيه ؟!
سمر بشجاعة :
-كنت عايزة أقولك يعني ماتزعليش من فادي . هو مايقصدش يزعلك و الله . ده حتي كان عايز ينزل معايا يعتذرلك بس إتكسف منك !
-سمر يا حبيبتي .. إنتي أكيد عارفة غلاوتكوا عندي . أنا ست طول عمري عايشة مع جوزي لوحدي . ربنا مارزقنيش بالولاد . بس رزقني بيكوا أنا ربيتكوا مع أمكوا الله يرحمها .. ثم قالت و هي تداعب "ملك" بتحبب :
-و إن شاء الله ربنا يديني العمر و أربي الصغننة دي كمان.
سمر بإبتسامة :
-يا رب . ربنا يديكي الصحة.
-أنا عمري ما أزعل منكوا .. و ماكنش قصدي أضايق أخوكي . و الله يابنتي فكرت الموضوع ممكن يكون لمصلحتك . خميس إبن المعلم رجب كسيب و حياته حلوه و مبسوط.
-أيوه يا ماما زينب بس إنتي عارفة سمعته و سمعة عيلته كلها عاملة إزاي !
-و الله يابنتي أنا ما إتكلمت إلا عشان مصلحتك . و علي رأي المثل الراجل مايعبوش إلا جيبه و الجدع باينه شاريكي هو إللي إتكلم عليكي بنفسه.
تنفست "سمر" بعمق ، ثم قالت :
-يلا . مافيش نصيب يا ماما زينب . ربنا يوفقه مع واحدة أحسن .. ثم أكملت و تقوم عن المقعد :
-أنا همشي بقي عشان ماتأخرش علي الشغل .. عايزة مني حاجة قبل ما أمشي ؟
-ماتحرمش يا حبيبتي . طريق السلامة !
في قصر آل "بحيري" .. علي مائدة الفطور إجتمع الجميع
تنهي "صفية" طعامها بسرعة ، لتنتبه إليها "فريال" و تسألها بإستغراب :
-في إيه صافي ؟ بتاكلي بسرعة كده ليه ؟ علي مهلك !
صفية بصوت شبه واضح بسبب كمية الطعام التي تملأ فمها :
-عايزة أخلص بسرعة يا مامي . عشان ماتأخرش علي صالح.
ثم ران صمت قصير بعد ذلك ، قطعته "هالة" بسؤال متوتر :
-هو . هو عثمان لسا نايم و لا إيه ؟!
أجابتها "فريال" مبتسمة و هي تعلم تماما ماهية سؤالها :
-لأ يا حبيبتي . عثمان صحي من بدري و راح علي شركته لسا ماشي من ساعة تقريبا.
-ياااه . مشي بدري أوي.
-أه . ما إنتي عارفة بقي شركته لسا جديدة و لازم يظبط كل حاجة بنفسه في الأيام الأولي.
أومأت "هالة" بتفهم ، بينما تحدث "يحيى" إلي "رفعت" ..
يحيى بنبرة هادئة :
-رفعت ! كمان شوية هروح أبص علي المجموعة . تيجي معايا ؟ بقالك كتير ماروحتش.
لم يرفع "رفعت" إليه بصرا ، ما زال غاضبا منه
لكنه قال ببساطة :
-مرة تانية أبقي أروح . مش معقول هسيب إبني و أروح أبص علي الشغل . إبني أهم.
إزدرد "يحيى" برودة أخيه معه ، و قال بلطف :
-إحنا مش هنطول هناك . هنروح بسرعة و بعد كده نبقي نطلع أنا و إنت علي المستشفي .. إيه رأيك ؟؟
رفعت بعد تفكير :
-ماشي .. قالها بإقتضاب
لينظر "يحيى" نحو زوجته ، وجدها تبتسم له برضا ، بدالها بإبتسامة حب ، و من دون أن يراه أحد أرسل إليها قبلة في الهواء
توردت "فريال" خجلا ، و خفضت رأسها بسرعة و هي تزم شفتيها مقاومة تلك البسمة الواسعة ...
في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) ... تجلس "سمر" في المكان المخصص لها
تقوم بطباعة بعض الرسائل المرسلة إلي الشركة من الخارج ، ثم تجمعها كلها و تضعها بملف خاص لتسلمها الآن لمديرها كما طلب منذ قليل ..
كادت تنهض ، لولا رنين هاتفهها الذي أعادها لتجلس ثانيةً
كانت "السيدة زينب" هي من تتصل بها ، عبست "سمر" بقلق ، لكنها ردت :
-آلو ! .. أيوه يا ماما زينب . في حاجة ؟ .. ثم صاحات بهلع :
-بتقولي إييييييه ؟؟!!!!!
متابعه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق