أعلان الهيدر

أحدث المواضيع

الأربعاء، 19 مايو 2021

الرئيسية رواية عزلاء أمام سطوة ماله كامله علي نجوم ساطعه بارت 16 حتي 18

رواية عزلاء أمام سطوة ماله كامله علي نجوم ساطعه بارت 16 حتي 18

 الجزء السادس عشر


عزلاء امام سطوة ماله


_ زائر ! _

كانت علي شفا النعاس .. بعد مجهود شاق بذلته لتصفي ذهنها من كل فكرة و هاجس أسود يهددها


ليأتي "فادي" فجأة و يفسد كل شئ ..


-سمر ! .. قالها "فادي" بهتاف متوسط و هو يلج إلي الغرفة دون إستئذان


-إنتي نمتي يا حبيبتي ؟! .. تساءل ببراءة ، لتبتسم "سمر" بخفة و هي تقول :


-لأ يا حبيبي . لسا . إيه كنت عايز حاجة ؟


فادي و هو يمشي ناحيتها :


-لأ يا حبيبتي سلامتك مش عايز حاجة . أنا بس كنت جاي أرجعلك الموبايل . خلاص عملت المكالمة .. ثم أعطاها الهاتف مكملا بإبتسامة :


-شكرا.


-العفو يا فادي .. ثم أردفت علي سبيل المزاح :


-كنت بتكلم مين بقي ؟ الحج عبد الموجود ؟!


و ضحكت بمرح ، ليرد "فادي" بجدية :


-لأ كنت بكلم مديرك . عثمان بيه !


إرتعدت "سمر" بقوة و قد أبيـّض وجهها من الصدمة


-إيه !! .. تمتمت بفم مفتوح ، ثم صاحت فيه بغضب :


-ليــــه ؟ ليه كلمته ؟؟؟


أجفل "فادي" و هو يجيب بشئ من التوتر :


-كلمته عشان أخدلك إجازة يومين من الشغل . لاقيتك ماتصلتيش بيه إنتي فإتصلت أنا عشان مايفهمش غيابك غلط !


زمت "سمر" شفتيها و هي تقطب في ضيق شديد


ليرمقها "فادي" بنظرات حملت طابع التشكيك ، ثم يقول :


-في إيه سمر ؟ مالك إتعصبتي كده ليه لما عرفتي إني كلمته ؟!


همهمت "سمر" بإنزعاج و قالت :


-لأ ماتعصبتش و لا حاجة . بس ماكنش في داعي يعني تكلمه في وقت زي ده و تزعجه .. أنا كنت هكلمه بكره الصبح.


فادي بنبرة موضوعية :


-بصراحة الراجل كان ذوق أوي و ماقالش حاجة . بالعكس قال سلامتها و تبقي تيجي علي مهلها مافيش مشكلة.


أومأت "سمر" قائلة بإقتضاب :


-طيب كتر خيره.


فادي بتعجب :


-إيه طيب كتر خيره دي ؟!


-عايزني أقول إيه يعني ؟ .. تساءلت بعصبية واضحة


ثم أخدت نفس عميق و أطلقته علي زفرات متتالية ، و قالت بإيجاز :


-بكره الصبح هبقي أتصل أشكره بنفسي.


عبس "فادي" و هو يرمقها بنظرات حائرة ، ليسألها بإلحاح :


-سمر .. مالك ؟ في حاجة حصلت ؟؟؟


سمر بتآفف :


-قولتلك مافيش حاجة يا فادي . أنا تعبانة بس و مش مستحملة الكلام الكتير ده . عايزة أنام.


فادي بلطف :


-طيب طيب . خلاص أنا خارج أهو .. تصبحي علي خير يا حبيبتي.


سمر بهدوء مرهق :


-و إنت من أهله !


تنهد "فادي" و هو يهز رأسه بعدم إرتياح ، لكنه تركها و خرج بالنهاية ..


ليطير النعاس من عينيها فورا و تظل واعية تفكر في بالموقف المخزي الذي وضعها فيه أخيها بدون قصد


ماذا سيقول الآن ؟ هل سيعتبر ذلك تصريحا بالموافقة منها ؟ هل سيفهم مما حدث أنها أعطته الضوء الأخضر و أعلنت إستسلامها لعرضه ؟


-لأ .. غمغمت "سمر" بغضب ، و أردفت :


-يفهم إللي يفهمه . الحيوان ده . أنا مش هاوريله وشي تاني . يروح في ستين داهية . فادي كان عنده حق !


و هنا دخلت "سمر" في صراع مع نفسها ..


نفسها :


-طب و مشاكلك ؟ ده هو الوحيد إللي في إيده الحل لكل المشاكل إللي إنتي فيها !


سمر بغضب :


-يغور في داهية هو و حلوله . أنا مش ممكن أركعله أبدا . ده مش بني آدم.


نفسها :


-إنتي مش كنتي بتشكري فيه ؟ و كمان كنتي بتدافعي عنه !!


سمر :


-أه ده كان قبل ما يظهر علي حقيقته . و بعدين أنا إللي كنت غبية . صدقت أنه كان بيعمل معايا كل ده لوجه الله .. بس فادي كان صح . لما كان بيقولي مش مرتاحله و هو أصلا عمره ما شافه !


نفسها :


-كل ده مايغيرش إنك محتجاله يا سمر.


سمر بعصبية :


-لأ مش محتجاله . ده أخر إنسان في الدنيا ممكن أحتاجله.


نفسها :


-متأكده ؟


سمر بثقة :


-طبعا.


نفسها :


-طيب بالنسبة لملك ! .. هتقدري توفرلها مصاريف المستشفي و العلاج يا سمر ؟ معاكي المبلغ الضخم ده عشان تقدري تعالجي أختك بيه ؟!


سمر و قد صعقت من هذه الفكرة :


-هو ممكن يبطل يدفع المصاريف ؟؟؟


نفسها :


-أكيـــد . إنتي لسا قايلاها بلسانك . هو ماكنش بيعمل معاكي كل ده لوجه الله .. المقابل الحقيقي لكل إللي عمله ده هو إنتي يا سمر.


سمر بوهن ممزوج بالقهر :


-بس أنا مش ممكن أوافق علي كده . مش ممكن أوافق علي إللي هو عايزه ده . أبيعله نفسي ؟ لأ . مستحيييل.


نفسها :


-يبقي حياة أختك هتكون التمن !


عند "عثمان" ... يخرج عابس الوجه من الشرفة الملحقة بغرفة "مراد"


ينهي سريعا بعض الأشياء بهاتفهه ، ثم يرجعه إلي جيبه مجددا ..


ليستقبله صديقه فورا بتساؤل و فضول :


-إيه يا عم ! إيه إللي حصل ؟ كانت عايزة منك إيه ؟؟؟


تنفس "عثمان" بعمق ، ثم أجابه بفتور :


-و لا حاجة . ماكانتش عايزة حاجة.


مراد بإستهجان :


-نعم ياخويا ؟ ماكانتش عايزة حاجة إزاي ؟ أومال إتصلت بيك ليه ؟!


عثمان ببرود :


-مالكش فيه يا مراد.


-بقي كده ؟


-أه . إنت ليك نتيجة الرهان إللي بينا لو حصل هبقي كسبت لو ماحصلش مفتاح العربية كده كده جاهز.


-ماااشي يا عثمان . و علي رأي المثل . خلينا ورا الكداب.


عثمان بإبتسامة متهكمة :


-طيب يلا ياخويا . يلا عشان ننزل نتعشي تحت.


في منزل المعلم "رجب" الجزار ... يجلس "خميس" بالصالون المذهب الرخيص قبالة والده


مضت ساعة حتي الآن و هو يحاول إقناعه بما يريد ..


خميس بلطف :


-يابا عشان خاطري !


المعلم رجب بصوته الغليظ :


-أنا قلت لأ يعني لأ.


خميس مواصلا إلحاحه :


-يابا صدقني المرة دي مش هيرفضوا . طاوعني المرة دي بس.


وضع المعلم "رجب" مبسم النارجلية بفمه و راح يسحب من خلاله نفسا عميق زفره بشكل عموديفي وجه إبنه و هو يقول بسخرية :


-و إنت إيه إللي مخليك متوكد أوي كده ؟ بقي بعد ما ست الحسن رفضتك من أول مرة هتيجي توافق عليك في التانية ؟ إنت أهبل ياض ؟؟!!


-أنا مش حكيتلك إللي حصل إنهاردة ؟


-و هو يعني عشان جنابك عملتلي فيها فريد شوقي وحش الشاشة و جريت علي الصنيورة و شيلتها لحد البيت ده كده بقي إعلان خطوبة مثلا !


خميس و قد إنتابه الغضب :


-أنا ماقولتش كده يابا . بس هي و إخواتها كل يوم الحال بيسوء بيهم أكتر و إللي حصلها إنهاردة علامة بتبين إنهم خلاص جابوا أخرهم . و المثل بيقول أضرب الحديد و هو سخن و إحنا لو روحنا نتكلم معاهم هايوافقوا و الله هايوافقوا.


-بس أنا بقي مش موافقة ! .. قالت هذه الجملة سيدة في منتصف العمر ، آتت حين سمعت نقاش زوجها و إبنها الذي طال بغير لزمة من وجهة نظرها


-و مش موافقة ليه ياما إنتي كمان ؟ .. تساءل "خميس" بضيق شديد ، لترد الأم بلهجة سوقية للغاية :


-دي واحدة طمعانة فيك و في فلوس أبوك يا حبيبي و أنا لو إنطبقت السما علي الأرض مش هوافق تخش عيلتنا.


خميس بإنفعال :


-هي مين دي إللي طمعانة فيا و في فلوس أبويا ؟ إنتي شايفاها رامية نفسها عليا ؟؟؟


الأم و هي تقسم بحرارة :


-و المرسي أبو العباس ماهتجوزها يا خميس و حياة أبوك إللي قاعد ده يانا يا الجوازة دي.


المعلم رجب و هو يزيد من غلظة صوته :


-خلاص بقي يا ولية . إنتي بتتحشري ليه أصلا و أنا بتكلم مع الواد ؟ مالكيش دعوة إنتي بالمواضيع دي.


-ماليش دعوة إزاي ؟ هو مش إبني أنا كمان ؟!


المعلم رجب بحدة :


-لما أكون أنا بتكلم إنتي تخرسي خالص.


الأم و هي تضرب فمها بكفها :


-حاضر ياخويا . أهو . إنخرست خالص أهو.


حدجها زوجها بملل شديد ، ثم أشاح عنها و عاد لحديثه مع إبنه ..


المعلم رجب بإيجاز :


-شوف يابني أنا مش موافق علي البت دي . النسب مش لادد عليا خالص الصراحة . سيبك منها و أنا أوعدك هجوزك أحلي بت في إسكندرية كلها.


خميس بغضب :


-أنا مش عايز أحلي بت في إسكندرية كلها . أنا عايز سمر يابا .. أنا بحبها !


المعلم رجب بإنفعال :


-بتحبها إيه و زفت إيه يا عبيط أنت ؟ ياض إفهم بقي و خلي عندك كرامة . البت مش عايزاك و أخوها لسا كان ماسك في خناقك إمبارح . إيه كل ده مش حاطه في إعتبارك ؟ ماعندكش دم خالص ؟!


رمقه "خميس" بنظرات محتقنة إثر هذا ..


لكنه تمالك نفسه و سأله بهدو للمرة الأخيرة :


-يعني مش هتروح تخطبهالي يابا ؟


-لأ .. قالها المعلم "رجب" بقرار قطعي يختتم النقاش إلي هنا أخيرا


ليقوم "خميس" من مكانه بعنف ، ثم يلتفت و يغادر المنزل كله و هو في فورة غضبه و عصبيته ...


في قصر آل "بحيري" ... بداخل حجرة الطعام


يدخل كلا من "عثمان" و "مراد"


و بعد تبادل التحيات القصيرة ، يسحب "مراد" كرسي لنفسه و يجلس بجانب "هالة"


بينما يتجه "عثمان" نحو أمه الجذابة و المتبرجة بالكامل ..


يتناول يدها الناعمة برفق ، ثم ينحني ليقبلها برقي شديد


إبتسمت "فريال" بحب و هي تمسح علي شعره بحنان ، ليرفع وجهه إليها في اللحظة التالية و يقول بجاملة مهذبة ليدخل علي قلبها السرور :


-مساء الجمال يا فريال هانم . أنا كنت نازل و أنا حاسس إني ميت من الجوع . شفتك بس حسيت إني واكل و شارب و شبعان علي الأخر . مابقتش محتاج حاجة من الدنيا خلاص.


قهقهت "فريال" برقة ، ثم قالت و هي تداعب لحيته البنية :


-آه منك و من بكشك إللي مش بيخلص ده . بس بموت فيك بردو أعمل إيه !


و قربت وجهه منها لتقبله من وجنته ..


-و أنا قرطاس لب قاعد وسطكوا !! .. قالها "يحيى" بغيظ ، لتلتفت "فريال" نحوه و تمسك بيده قائلة :


-ده إنت حبيبي الأول و الأخير . بس ده مايمنعش إن عثمان حاجة تانية بالنسبة لي.


يحيى بتهكم ممزوج بالغيظ :


-ربنا يخليهولك.


فريال بضحك :


-أمين ياااا رب.


لوي "عثمان" فمه بإبتسامة جانبية ، ثم تساءل عندما لمح الكرسي الذي تجلس عليه "صفية" فارغ :


-هي فين صافي يا ماما ؟ بقالي كام يوم ماشوفتهاش !


تنهدت "فريال" و قالت بحزن :


-صافي فوق في أوضتها . مش راضية تنزل تتعشي معانا.


-ليه ؟!


فريال و هي ترمقه بنظرة ذات مغزي :


-مش عارفة . لو قادر أطلع هاتها إنت كلنا هنا غلبنا معاها.


أومأ "عثمان" برأسه ، ثم إتجه إلي غرفة شقيقته ..


بينما شغل "يحيى" الأجواء بفتح حديث جديد مع "مراد" :


-و إنت عامل إيه يا مراد ؟


مراد بإبتسامة :


-الحمدلله يا أنكل كويس.


-و أبوك أخباره إيه ؟ مش ناوي ينزل هو كمان ؟!


-لا هو ماما مبسوطين أوي هناك . أنا إللي زهقت و قررت أرجع و هما ماعترضوش .. سابوني براحتي !


في غرفة "صفية" ... يدق "عثمان" الباب ، ثم يدخل ليجدها جالسة فوق سريرها تشاهد التلفاز بشرود


-ممكن أدخل ! .. قالها "عثمان" بلهجة إنسيابية ، لترد "صفية" بتكلف :


-إنت دخلت خلاص.


ضحك "عثمان" بخفة و تقدم صوبها و هو يقول :


-أنا قلت أجي أبص عليكي . بقالي يومين ماشوفتكيش.


صفية بسخرية :


-علي أساس إن حد بيشوفك إنت ؟ ما إنت مختفي علطول.


جلس "عثمان" بجوارها ، ثم سألها بجدية :


-مالك يا صافي ؟ شكلك عامل كده ليه ؟!


-شكلي ماله مش فاهمة ؟!


-يعني .. خاسة . قاعدة في أوضتك دايما . مش بتنزلي تاكلي معانا تحت !


صفية و هي تبتسم بكآبة :


-أنا كويسة يا عثمان ماتقلقش عليا . بس حبيت أقعد مع نفسي شوية.


-قصدك حبيتي تحبسي نفسك ! .. بتعملي كده ليه ؟ في مشكلة ؟ إحكيلي يا صافي لو عندك مشكلة مهما كانت حجمها هحلهالك.


تنهدت "صفية" و قالت :


-صدقني يا عثمان . مافيش حاجة . أنا و صالح زعلانين مع بعض شوية .. بس أكيد هنتصالح بسرعة.


عثمان بإهتمام :


-طيب ممكن أعرف زعلانين من بعض ليه ؟!


صفية بإختصار :


-هو مضايق من حالته و بقي عصبي . بس أنا مقدره إللي هو فيه عشان كده سايباه براحته لحد ما يتكلم من نفسه.


همهم "عثمان" بتفهم ، ثم قال و هو يقف علي قدماه :


-طيب ياستي . سيبك من كل ده دلوقتي و يلا معايا علي تحت عشان تتعشي معانا.


صفية بضيق :


-لأ يا عثمآاان . بجد مش في المود خالص.


-هو إيه إللي مش في المود ! أنا بقولك تعالي أفسحك ؟ يلا يا بت مابحبش الرغي الكتير.


و شدها من يدها لتقف بسهولة ..


-يا عثمآااان ! .. تمتمت بضيق أشد ، ليقول بصرامة و هو يجرها خلفه :


-يلآاااا . أنا راجل شقيان و جعان يا حبيبتي و مش فاضي خالص لدلع البنات ده !


صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" من النوم باكرا ، ثم تقوم و تذهب لغرفة "فادي"


لديه إمتحان اليوم و لا تريد أن يتأخر فليس هناك من يوقظه غيرها ..


و لكنه لم تجده


يبدو أنه إستيقظ من نفسه لأول مرة و ذهب لجامعته


تنهدت "سمر" تنهيدة مطولة ، ثم إلتفتت حتي تعود إلي غرفتها


لكنها ما لبثت أن سمعت صوت جرس الباب يرن بتواصل ..


-أكيد فادي نسي حاجة .. تمتمت لنفسها ، ثم ذهبت لتفتح الباب


و كانت رؤية ذاك الزائر الآن أبعد ما تكون عن خيالها


نظرت إليه بصدمة و قد شلتها المفاجأة عن الكلام و الحركة ، بينما شملها بنظرات متفحصة و هو يبتسم بخبث شديد و عيناه تلتمعان بوميضه الشيطاني !!!

متابعين من فضلكم

الجزء السابع عشر


عزلاء امام سطوة ماله 


_ منومة مغناطيسيا ! _

لحسن حظها أنها كانت تضع الحچاب علي رأسها تحسبا لجميع الإحتمالات ... لكنها وجدت نفسها تصفع الباب بعنف في وجهه ثم تستند إليه بظهرها و هي تلهث بشدة


-إيه إللي جابه هنا الحيوان ده ؟ .. تمتمت "سمر" لنفسها و جسدها ينتفض بقوة ، و أكملت بحيرة :


-عايز إيه ؟ .. طيب أفتحله و لا لأ ؟!


أخذت نفسا عميق و زفرته ببطء ، ثم تشجعت و إستعدت لمواجهته و هي تقول ببأس و قوة :


-ماتخافيش يا سمر . إنتي في بيتك و وسط جيرانك مش هيقدر يعمل حاجة . شوفيه جاي ليه و خليكي شجاعة إوعي تباني ضعيفة قدامه !


ثم إلتفتت ... و مدت يدها إلي مقبض الباب لتفتحه ثانيةً ..


كان "عثمان" لا يزال واقفا بمكانه ، لم يتحرك قيد أنملة ، حتي إبتسامته اللعوبة لم تفارق ثغره الدقيق


حدجها بنظرات مبهمة و هو يقول بنعومة :


-إيه يا سمر ! ينفع كده تقفلي الباب وشي ؟ ده أنا ضيفك بردو !


سمر بحدة :


-أفندم يا عثمان بيه ؟ خير إيه سبب زيارة حضرتك إللي علي غفلة دي ؟!


عثمان و هو يبتسم بجاذبية :


-طيب مش تقوليلي إتفضل الأول ؟ و لا إنتوا هنا متعودين تكلموا ضيوفكوا علي الباب ؟!


تنهدت "سمر" بنفاذ صبر ، و لكنها لم تجد حلا أخر


تنحت جانبا مفسحة له الطريق ، ليتقدم هو بخطواته المختالة المغرورة ..


إجتاز المدخل القصير و هو يعاين الشقة بنظراته الفاترة


كانت بسيطة جدا و مرتبة و نظيفة ، إنما من وجهة نظره هو كانت حقيرة جدا و أشبه بجحر الفئران


لكن بخلاف كل هذه الأمور أي بيت عادي مثل هذا يساوي لا شئ بالمقارنة بقصر آل "بحيري" الذي نشأ و ترعرع فيه حتي بلغ الثلاثين من عمره ..


-بيتك حلو أوي يا سمر .. قالها "عثمان" بمجاملة زائفة ، لترد "سمر" التي وقفت بجانب باب الشقة المفتوح :


-شكرا . ده من ذوقك.


إلتفت "عثمان" نحوها و هو يقول بدهشة :


-إنتي واقفة كده ليه ؟ ما تقفلي الباب ده و تعالي عشان نتكلم !


سمر بصلابة :


-أنا كده كويسة . و حضرتك تقدر تقول كل إللي إنت عايزه عادي . أنا سمعاك.


رمقها "عثمان" و هو يرمقها بنصف إبتسامة ، ثم تقدم صوبها و أمسك بمسند الباب قائلا بهدوء :


-سمر .. متخافيش أنا مش هاكلك . أنا جاي أتكلم معاكي و بس.


سمر و هي تنظر إليه بجرأة واهية :


-أنا مش خايفة !


عثمان بإبتسامة :


-طيب إثبتي .. تعالي نقعد لو سمحتي . أنا مش هطول عليكي . هقولك إللي عندي و همشي علطول .. ثم قال و هو يحاول سحب الباب من يدها :


-بعد أذنك !


نظرت له بتردد للحظات ... ثم تنهدت و أنزلت يدها


ليغلق الباب بروية ، ثم يدير وجهه إليها متسائلا :


-هنقعد فين ؟


-إتفضل .. قالتها بخفوت و هي تشير إلي الصالة الصغيرة ذات الأثاث الرث


جلسا قبالة بعضهما و لكنهما كانا متباعدين


إذ كانت تفصل بينهما طاولة متوسطة تحدها آريكة وقع علي جانبيها مقعدها و مقعده ..


-إتفضل . أنا سمعاك ! .. تمتمت "سمر" بإقتضاب متجنبة النظر إليه حتي لا يُـتلف غشاء الثقة الليـّن الذي صنعته لتحتمي من نظراته الثاقبة


-أولا أنا آسف إني جيت منغير ميعاد .. قالها "عثمان" بلباقة لا تليق به أبدا ، و تابع :


-بس لما أخوكي كلمني و قالي إنك تعبانة صممت أجي أطمن عليكي بنفسي.


سمر بسخرية :


-كتر خير حضرتك !


تذرع "عثمان" بالصبر جراء معاملتها الجافة ، ليقول بخبث مهذب :


-و لو إني مش عارف إنتي تعبتي فجأة ليه ؟ حوارنا الأخير ماكنش جامد أوي عشان تتعبي بعده علطول كده !


و هنا نظرت إليه "سمر" و قالت بغضب :


-عثمان بيه . يا ريت من فضلك تقول إللي جيت عشانه و تتفضل تمشي بسرعة . أنا مش هقدر أستقبلك كتير و أخويا مش موجود.


إبتسم "عثمان" و هو يومئ بتفهم ..


-طيب يا سمر .. ندخل في الموضوع علطول .. و حملق فيها بتركيز ، ثم قال :


-أنا جيت لحد عندك المرة دي عشان أجدد عرضي.


و قاطعها بسرعة و حزم حين حاولت الرد :


-مش عايزك تردي منغير ما تفكري . فكري كويس قبل ما تقولي أه أو لأ .. ثم أكمل بجدية :


-قرارك مش متعلق بيكي لوحدك . إخواتك شركا معاكي .. يعني لو وافقتي هتحلي مشاكلك و مشاكلهم . مش هتلاقي نفسك محتاجة لحاجة . أنا هتكفل بيكي و بيهم.


هزت "سمر" رأسها و هي تنظر إليه غير مصدقة ، ثم قالت بإنفعال و قد خرجت عن شعورها :


-إنت مجنون صح ؟ أي شرع أو أي قانون بيقول كده ؟ قانونك إنت ؟ إزاي متخيل إني ممكن أقبل بحاجة زي دي ؟ إللي يسمعك بتقول كده يفتكر إن نواياك شريفة و إنك مش عايزني في الحرام . جايز إنت متعود علي الحاجات دي و الشرف مش بيفرق معاك بس أحب أعرفك إن شرفي غالي أوي عليا و أنا مش ممكن أفرط فيه عشان واحد إنتهازي و إستغلالي زيك !


-أنا إنتهازي و إستغلالي ؟! .. قالها "عثمان" بتساؤل رافعا أحد حاجبيه بغضب ، لترد "سمر" بتأكيد :


-طبعا . أومال تسمي تصرفاتك بإيه ؟ إنت شفت وضعي الصعب و أد إيه أنا كنت محتاجة للفلوس عشان أختي مش عشاني . عشان أعالجها و ماسبهاش تموت . بس إنت إستغليت النقط دي كويس و قلت تضغط عليا في الوقت المناسب .. ثم أكملت بإشمئزاز مرير :


-كنت فكراك إنسان كويس و كنت بشكر فيك و بدعيلك . حسستني إن الدنيا لسا بخير .. لكن طلعت عكس ما توقعت . ورتني أبشع صورة ليك و هي صورتك الحقيقية . خلتني أصدق كلام الناس . إن مافيش حد بيساعد حد دلوقتي لوجه الله !


حدجها "عثمان" ببرود و لم يؤثر كلامها فيه قيد شعرة


بل تنهد بسأم ، ثم قال :


-بصي يا سمر . سيبك كل الكلام إللي قولتيه دلوقتي ده و ركزي معايا أحسنلك . أنا مابتآثرش بالكلام ده.


سمر بعصبية :


-و أنا ماطلبتش منك تتآثر.


-طيب إهدي شوية و إسمعيني . خليني أحطهالك علي شكل صفقة . طبعا مافيش شك إنها صفقة كبيرة و إنتي عارفة كده كويس .. و عارفة كمان إنك أكتر طرف هيستفاد منها . بصرف النظر عن إني ممكن أرتبط بمليون واحدة زيك . بس أنا عايزك إنتي حتي لو إنتي مش حاسة بأي إنجذاب ناحيتي . شوفي الوضع زي ما أنا شايفه .. علي طريقة البزنس مثلا .. إنتي محتاجة فلوس أيا كان السبب بقي . و المبلغ إللي إنتي محتاجاه مش قليل . و أنا محتاج العلاقة دي في حياتي . أنا لسا خارج من علاقة فاشلة و عايز حد يساعدني أتخطا خيبة الأمل دي . مالاقتش غيرك قدامي .. إنتي أنسب واحدة يا سمر.


-أنسب واحدة منغير جواز ؟ .. تساءلت بتهكم ، و أردفت بغضب :


-إنت بتحاول تقنعني بإيه ؟ المسألة واضحة جدا .. إنت عايزني عشيقة . عايز تتمتع في الحرام و هي فترة و هترميني في الزبالة زيي زي أي واحدة رخيصة من إللي بيقفوا في الشوارع أخر الليل . أنصحك تروح تدور علي واحدة من دول . علي الأقل دول فنانين في مجالاتهم و هيعرفوا يتعاملوا معاك كويس و ينسوك خيبة أملك . أنا مش هنفع للمهمة دي يا عثمان بيه !


أغمض عيناه بشدة معبرا عن ضيقه ، لكنه عاود النظر إليها مجددا و قال بصبر :


-أنا عايزك إنتي يا سمر . إنتي مش حد غيرك .. و صدقيني لو وافقتي حياتك هتتغير و للأحسن . أي حاجة كنتي بتحلمي بيها أنا هحققهالك . و أختك . مصاريف علاجها و كل إحتياجاتها عليا . حتي لو في يوم سيبنا بعض زي ما بتقولي أنا هضمنلكوا مستقبل كويس و مش هتضطري تشتغلي تاني أبدا . هتعيشي مرتاحة طول عمرك .. أنا بوعدك !


جلست "سمر" صامتة و هي تنصت بإنتباه مرعب و مركز إلي كلماته ، و لم تلاحظه و يقف من مكانه فجأة ..


إذ كانت كالمنومة مغناطيسيا ، ليس بفعل صوته ، بل بفعل الرؤى التي أثارتها كلماته التي وصفت حياتها كما ستكون عليه لو قبلت عرضه ، و علي غير هدي راح شيطانها يعيد لها حديثه المغر بإلحاح شديد ..


-قولتي إيه يا سمر ؟ .. تساءل "عثمان" بعذوبة ، لتعود "سمر" إلي أرض الواقع في هذه اللحظة و تتطلع إليه بوجوم


بينما شدها "عثمان" لتقف علي قدميها و هو يتابع :


-عمرك ما هتندمي . صدقيني !


لم تقاوم ... كان فعل صوته عليها كالسحر ، و إنشغل ذهنها بهذا المستقبل الرائع المريح


ليطغي اليأس عليها و تفكر .. لو تكلمت فستقول نعم أقبل عرضك ، و لكن ثمة شئ داخلها يرفض هذا الضعف و يمنعها بقوة


وضع "عثمان" ذراعه حولها بلطف و جذبها نحوه ، بينما لم تحاول أن تقاوم حتي الآن و تركزت عيناها شبه المنومتين علي عينيه ..


عندما طوقها بذراعيه كان كما لو أنه يحميها و يوفر لها ملجأ و ينتشلها من حافة فقر قاتل و يرسلها إلي عالم الأشياء المرغوبة المحببة


و علي مدي دقيقة ، وقف الثري الخبيث و العذراء الضعيفة وجها لوجه و تلاقت عيونهما و تلامس جسديهما ..


ليحكم "عثمان" قبضته عليها و يشدها نحوه بقوة أكبر


فأفسد التعويذة و الرؤي التي أبقتها عاجزة عن مقاوته ، رؤى الفقر المدقع و الفرار منه تلاشت فجأة و صدمها ما كان يحدث لها ..


فأخذت تتلوي لتتحرر منه ، لكنه كالمرة السابقة لم يحاول إجبارها


أفلتها بسهولة ، لتسقط علي مقعدها شاحبة و مرتجفة


نظرت إليه بعينين مزجتا بين الخوف و المقت ، بينما وقف ينظر إليها و علي شفتيه إبتسامة نصر هادئة ..


-مستحيل .. تمتمت "سمر" بأنفاس مخطوفة


-مش هابعيلك نفسي أبدا . حتي لو المقابل كنوز الدنيا كلها !


تجاهل "عثمان" أقوالها و قال و هو ينظر بساعة يده :


-أنا إتأخرت أوي علي الشغل . الساعة بقت 9 و إنتي عارفة إني ببقي هناك من 8 أو قبل 8 كمان .. و أضاف بإثارة :


-هستناكي بكره . ماتتأخريش.


صرخت بوجهه :


-مش هاجي.


أومأ و هو يقول بثقة شديدة :


-هتيجي يا سمر . بكره هتجيلي برجليكي و إنتي موافقة علي إتفاقنا و بدون أي ضغط مني .. ثم أكمل بإبتسامة خبيثة :


-أصل أنا مش بحب الغصب خاالص . بالعكس . ده أنا حنين أوي .. و رقيق أووي !


نظرت له بعدائية و حقد شديدين ، بينما رماها بإبتسامة أخيرة ، ثم إلتفت و غادر أخيرا


لكنه ترك عبير عطره الرجولي الخشن يعبق الجو من حولها ، ظل ينفذ بقوة داخل أنفها و رئتيها حتي كاد يخنقها


فقفزت من موضعها و ركضت نحو الشباك ، فتحته لتستنشق الهواء النظيف ، و لتراه يستقل سيارته ، ثم ينطلق بها شيئا فشئ حتي أختفي عن ناظريها تماما ...


يتبـــع ...

اذا أتمت القراءة علق بعشرة ملصقات ليصلك الجزء الجديد

متابعتي

الجزء الثامن عشر/لعيون اجمل متابعين


عزلاء امام سطوة ماله


_ شيطان ! _

كانت تعد له حقيبة السفر و قلبها يتعذب ... لا تريده أن يذهب و يتركها ، خاصةً أنه سيغيب لمدة شهر


كيف ستتحمل كل هذه المدة بدونه ؟ .. بالطبع لن تتحمل !


و لكن علي حد قوله هذه الرحلة مهمة جدا بالنسبة لأعماله و يجب أن يذهب ، للآسف ليس أمامه خيارا أخر ...


-فريال ! إنتي لسا بتعيطي بردو ؟ .. قالها "يحيى" عابسا بضيق ، لترد "فريال" التي إنتهت من إعداد الحقيبة و شرعت في إقفالها :


-لأ يا يحيى .. مش بعيط !


نطقت بصوت متحشرج ، ثم أسرعت بمسح دموعها قبل أن يراها ، و أردفت :


-خلاص شنطتك بقت جاهزة.


تنهد "يحيى" بسأم ، ثم ترك أغراضه من يده و مشي ناحيتها ..


أمسك بكتفيها و حملق فيها بحب و هو يقول :


-حبيبتي . أنا مش سايبك بمزاجي . إنتي عارفة كويس إني مابقدرش أستغني عنك و باخدك معايا في كل في سفرية .. بس المرة دي مش هقدر أخدك معايا . البلد إللي أنا رايحها برد أوي عليكي و أنا عارف إنك مش هتقدري تتحملي البرودة إللي هناك و لو خدتك هتتعبي أوي !


فريال و هي تنظر إلي عيناه بحزن :


-خلاص يا حبيبي . روح إنت و أنا هستناك .. بس خلي بالك من نفسك.


يحيى بإبتسامة عشق :


-حاضر . و أوعدك هحاول أخلص شغلي هناك قبل شهر عشان أرجعلك بسرعة.


-يا ريت تعمل كده.


نظر لها "يحيى" بهيام ملتهب ، ثم ضمها بقوة و هو يتمتم و قد غمر شعرها الحريري وجهه :


-فريال هانم .. يا بنت سليمان باشا المهدي . يا حبيبتي و مراتي و أم ولادي .. بحـــــــــــــــبك . و هتوحشيني أوووي.


إبتسمت "فريال" بشدة ، حتي تحولت بسمتها إلي ضحكة جميلة و هي ترد عليه :


-و أنا كمان بعشقك . يا دونچوان جليم و إسكندرية كلها.


ضحك "يحيى" هو الأخر ، ثم عاود النظر إليها و قال :


-إنتي لسا فاكرة ؟ ياااه ده كان زمان يا حبيبتي.


فريال برقة و هي تضبط له ربط عنقه :


-و لحد دلوقتي يا حبيبي و الله . كل الستات بيحسدوني عليك لحد إنهاردة . و كلهم بيتمنوا يشوفوك بس.


يحيى و هو يقرص ذقنها بلطف :


-بس أنا بقي مش شايف وسطهم حد غيرك . إنتي لوحدك إللي عايشة في قلبي.


فريال بإبتسامة :


-عارفة يا حبيبي . و واثقة من كده جدا ... ثم قالت و هي تبتعد عنه قليلا :


-يلا بقي . يلا عشان ماتتأخرش علي طيارتك.


يحيى بنصف عين :


-ممم شكلك زهقتي مني و عايزة تزحلقيني.


فريال بضحك :


-أنا ! الله يسامحك . طب تصدق أنا غلطانة . خلاص خليك و بلاش سفر يا يحيى.


-لا لا لا إنتي صدقتي و لا إيه ؟ كده يتخرب بيتنا يا حبيبتي.


-ما إنت بتفهمني غلط . مش لسا هتروح القاهرة عشان تاخد الطيارة من هناك ؟ كل ده مش هياخد وقت ؟!


-هياخد طبعا يا حبيبتي .. ثم أكمل و هو يمسك بيدها :


-طيب يلا . يلا عشان تودعيني تحت.


فريال و هي تسحب يدها من يده بقوة :


-لأ . مابحبش الوداع .. أنا خلاص سلمت عليك !


في منزل "سمر" ... زاد شعورها بالإعياء خاصةً عقب ذهابه


فلازمت فراشها مستسلمة لأفكارها و هواجسها ، و لكنه هو .. كان أكبر هاجس يطاردها ..


إنتفضت حين رن هاتفهها فجأة


لكنها أسرعت بالإجابة عندما لمحت إسم الطبيب المشرف علي علاج "ملك" ..


-ألو !


ردت بصوت مهزوز من القلق ، ليأتي صوت الطرف الأخر :


-ألو أنسة سمر معايا ؟!


-أيوه يا دكتور أنا معاك ! خير في حاجة ؟ ملك حصلها حاجة ؟؟؟


-لأ إطمني حضرتك هي بخير مافيهاش حاجة.


سمر و هي تزفر بإرتياح :


-الحمدلله ! طيب خير ؟ حضرتك عاوز مني حاجة ؟!


-في الحقيقة أه يا أنسة . كنت بتصل عشان أستفسر عن حاجة مهمة.


-إتفضل يا دكتور !


-مصاريف العلاج يا أنسة سمر . بقالها يومين محدش جه دفعهم . لعل المانع خير !


سمر بصدمة كبيرة :


-المصاريف بقالها يومين .. محدش دفعهم ؟!


-أيوه يا أنسة . أنا لما فات أول يوم و محدش جه قلت جايز حصلت ظروف . بس إمبارح لا حد جه و لا حد إتصل فإضطريت أكلم حضرتك دلوقتي.


سمر بمرارة شديدة :


-أيوه يا دكتور !


-حضرتك عارفة إن المبلغ مش قليل . و لو الفلوس ماجتش إنهاردة هيبقي تالت يوم و كده أنا آسف هضطر أخرج أختك من الحضـَّانة و لازم حضرتك تيجي تاخديها بعد شوية إلا إذا جيتي و جبتي الفلوس معاكي و دفعتي الـتلاتيام مع بعض.


تقلص وجهها بألم شديد ، لتهطل من عيناها الدموع ..


لقد فعلها .. لقد تعمد فعل ذلك ليثبت لها أنها بحاجة له


توقف عن دفع رسوم العلاج ... يا له من شيطان ..


ماذا ستفعل الآن ؟ .. و هي لا تملك فلسا !


أيعقل ؟ ... أيعقل أن تتحقق مشيئته و .. و تذهب له ؟!


و قبل الميعاد أيضا !!!!!


في قصر آل"بحيري" ... تحديدا بالأسفل داخل الكراچ


تدخل "هالة" هي و السائق المسن و يمشيا في إتجاه صف السيارات الخاصة بالعائلة ..


-إنت عارف شركة عثمان بيه صح يا عم جابر ؟!


جابر ببشاشة تليق بسنه :


-عارفها يا ست هالة و هوديكي علي عيني.


هالة بإبتسامتها رقيقة :


-تسلم عنيك يا عم جابر .. طب يلا بقي شوف هتوديني بعربية مين !


-هوديكي بعربية يحيى باشا القديمة . أنا لما حد هنا بيعوزني أوصله في حتة بطلع بيه بعربية يحيى باشا القديمة . دي أوامره.


أومأت "هالة" بعفوية و هي تقول :


-أووك يا عم جابر . يلا بينا بقي.


-صباح الخير ! .. قالها "مراد" الذي آتي فجأة من خلف "هالة" ، لتلفت له و ترد بإبتسامة :


-صباح النور . إزيك يا مراد !


-الحمدلله تمام يا هالة . إيه إنتي رايحة لعثمان و لا إيه ؟


هالة و هي ترفع خصلة نزلت علي عينها :


-أه فعلا . رايحاله !


أحس أنها شعرت ببعض التوتر ، فقال بتهذيب :


-أنا آسف بس أنا كنت هنا و سمعتك غصب عني و إنتي بتقولي رايحاله.


هالة بإبتسامة مرتبكة :


-و لا يهمك هو مش سر يعني.


-طيب عموما أنا رايحله بردو . ممكن أخدك معايا لو تحبي !


هالة و قد تلاشت إبتسامتها الخفيفة :


-مش عايزة أتعبك.


-مافيش تعب يا هالة بقولك رايحله.


لم تجد حجة تفلت بها منه ..


فإلتفتت للسائق و تمتمت بخفوت :


-خلاص يا عم جابر . مراد هايوديني !


جابر بإبتسامة :


-ماشي يا ست هالة . و أنا هاجي وراكوا عشان أبقي أرجع حضرتك.


و هنا تدخل "مراد" قائلا بصرامة هادئة :


-مافيش داعي يا عم جابر خليك مستريح . أنا هبقي أرجع هالة هانم بنفسي !


ترددت كثيرا و هي تفكر هذا ... و لكنه أخر أمل بالنسبة لها ما إذا أرادت الحفاظ علي شرفها ، ما إذا أرادت العيش بكرامة


أخذت "سمر" نفسا عميق و زفرته علي مهل ، ثم حسمت أمرها و توجهت بخطوات واسعة مضطربة نحو محل الجزارة المقابل لبيتها


تخطت عتبة المحل ، لتتفاجأ برؤية السيدة "نعيمة" زوجة المعلم "رجب" و والدة "خميس ..


-صباح الخير يا طنط ! .. حيتها "سمر" بشئ من الإرتباك ، بينما رفعت "نعيمة" بصرها عن بعض الدفاتر الحسابية و ردت و هي تنظر لـ"سمر" من أعلي إلي أسفل :


-أهلا ! إصباح النور يا سمر . خير عايزه حاجة ؟


سمر بوجه شاحب :


-كنت . كنت عايزة خميس في موضوع كده . هو مش موجود ؟!


تنهدت "نعيمة" و هي ترمقها بغيظ ، ثم سألتها :


-و إنتي عايزة خميس في إيه ؟ قصدي يعني إيه الموضوع ده إللي عايزاه فيه ؟؟


سمر بإبتسامة مُحرجة :


-و لا حاجة . مش حاجة مهمة يعني . خلاص أنا هبقي أجيله وقت تاني.


و كادت تخرج ، لتستوقفها "نعيمة" بحدة :


-إستني يا سمر !


تجمدت "سمر" بمكانها ، بينما قامت "نعيمة" من خلف المكتب البالي و مشت صوبها ..


وقفت أمامها مباشرةً ، ثم بدأت بالكلام :


-إسمعيني كويس يا سمر . إنتي زي بنتي و يعلم ربنا إني بعزك إنتي و إخواتك . بكلمك جد مش بهزر.


سمر بإبتسامة لطيفة :


-شكرا يا طنط نعيمة . تسلمي يا رب . و إحنا كمان بنحبك أوي و الله.


-بس لحد خميس إبني و مافيش بعده . و محدش هيجي عندي أغلي منه.


سمر و قد توترت من نبرتها التي تحولت فجأة :


-ربنا يخليهولك !


-أمين . بس عشان إنتي زي بنتي زي ما قولتلك فهنصحك .. ثم أكملت و هي تنظر لها بحدة شديدة :


-إبعدي عن خميس . أحسنلك . مش هتنفعوا مع بعض . أديكي شوفتي بعينك خناقته مع أخوكي و أنا يا حبيبتي مش مستغنية عن إبني.


أومأت "سمر" و هي تقول بصعوبة بسبب الدموع المتحجرة بعيناها ترفض الخضوع :


-فهمت . ماتقلقيش يا طنط .. أنا مش عايزة أي حاجة من خميس . إنتي فهمتيني غلط.


نعيمة و هي تبتسم بسخرية :


-يا ريت أكون فهمت غلط.


إزدردت "سمر" ريقها الجاف أصلا و تمتمت :


-عن أذنك !


ثم مشت بسرعة من أمامها قبل حتي أن تسمع الرد ..


لتذهب بعد ذلك قرب الشاطئ حيث لا يوجد غيرها ، لتستسلم للإنهيار و البكاء هناك دون أن يراها أحد ..

في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة) التابعة لـ"عثمان البحيري" ... تدخل "هالة" برفقة "مراد" و يصعدا معا لمكتب "عثمان"


تقف السكيرتيرة لدي ظهورهما ، و تلقي التحية برقة و بلباقة :


-صباح الخير يافندم . أي خدمة أقدر أقدمهالكوا !


مراد و هو يقطب بإستغراب :


-الله ! مش ده مكتب سمر بردو ؟!


السكرتيرة بإبتسامة :


-أيوه حضرتك بالظبط ده مكتب سمر.


-أومال هي فين طيب ؟


-سمر في إجازة مرضية بقالها يومين يافندم . لما ترجع إن شاء الله هتستلم مكانها تاني و أنا هبقي أرجع لمكاني.


أومأ "مراد" بتفهم ، ثم قال :


-طيب . من فضلك بقي بلغي عثمان بيه إننا عاوزين نقابله.


-طيب معلش بس ممكن تقولي إسم حضرتك ؟!


مراد بفتور :


-مراد . مراد أبو المجد و هالة البحيري.


أومأت السكرتيرة رأسها ، ثم رفعت سماعة الهاتف و إنتظرت لثوان ..


-ألو مستر عثمان ! .. في واحد قدامي هنا طالب يقابل حضرتك و معاه أنسة .. مراد أبو المجد و هالة البحيري .. حاضر . حاضر يافندم !


و أقفلت الخط ، ثم عاودت النظر إليهما قائلة :


-إتفضلوا مستر عثمان منتظركوا جوا.

كان "عثمان" يجلس منهمكا في عمله ، و كان يرتدي نظارته الطبية التي يتخذها فقط حين يشعر بالتعب أو الصداع ..


عندما دخل "مراد" و معه "هالة" ... قام ليستقبلهما ..


-أهلا أهلا . و أنا أقول الشركة نورت ليه ؟


مراد بغبطة ساخرة :


-يا لهوي يا صاحبي أول مرة تستقبلني بحرارة كده !


عثمان بنظرة جانبية :


-مش ليك ياخويا . الإستقبال الخصوصي ده لبنت عمي الجميلة .. و إقترب من "هالة" و صافحها و قبلها من وجنتيها ، ثم تساءل :


-يا تري بقي إيه سبب زيارتك ليا و لأول مرة في شركتي يا بنت عمي ؟


هالة و هي ترمقه بحب شديد :


-أولا وحشتني فقلت أجي أشوفك !


ضحك "عثمان" بخفة ، ثم طوق خصرها بذراعه و قال و هو يأخذها بإتجاه الصالون الأنيق بالمنتصف :


-يا حبيبتي و إنتي كمان وحشتيني و الله . طيب و ثانيا ؟


هالة و هي تجلس معه فوق الآريكة :


-ثانيا بقي في موضوع مهم كنت عايزة أتكلم معاك فيه.


عثمان رافعا حاجبيه بدهشة :


-موضوع مهم عايزة تكلميني فيه و جايبة معاكي مراد ! ده إللي هو إزاي ده ؟!


مراد و قد تلاشت إبتسامته :


-يا أخي حسن أخلاقك بقي . طب إنصفني قدام بنت عمك حتي !


عثمان بسأم :


-بس ياض.


-يا عثمان خليك معايا .. قالتها "هالة" و هي تدير وجهه بيدها ، ليرد "عثمان" بتركيز :


-معاكي أهو يا حبيبتي . خير ! إيه هو الموضوع ؟؟


هالة و قد جذبتها نظارته التي زادته وسامة :


-حلوة أوي النضارة دي عليك !


عثمان بإبتسامة و هو ينزع النظارة عن عينيه :


-شكرا يا حبيبتي . دي بلبسها في حالات معينة ماتقلقيش يعني نظري سليم لسا ماضعفش.


و ضحكا قليلا ..


لتتكلم "هالة" أخيرا :


-صالح يا عثمان.


عثمان بإستغراب :


-ماله صالح يا هالة !


في الخارج ... تجلس السكرتيرة علي مكتب "سمر" تعمل بجهد متواصل ، و لكنها تشعر بالملل


فقد إشتاقت لممارسة وظيفتها الأساسية و تلك الوظيفة سخيفة جدا من وجهة نظرها ، خاصةً و أن المدير متقلب المزاج بصورة مقيتة ..


-صباح الخير !


إنتبهت السكرتيرة للصوت ، فرفعت وجهها ..


لتبتسم بقوة و هي تصيح متفاجئة :


-سمر !


متابعه



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.