أعلان الهيدر

أحدث المواضيع

الجمعة، 28 مايو 2021

الرئيسية رواية عزلاء امام سطوة ماله كامله علي نجوم ساطعه من بارت 61 حتي بارت 62والاخير

رواية عزلاء امام سطوة ماله كامله علي نجوم ساطعه من بارت 61 حتي بارت 62والاخير

 عزلاء أمام سطوة ماله


( 61 )وقبل الاخيره


_ و عاد ! _


صعقته الصدمة عندما إعترفت "نجلاء" له بذلك ...


هب من مكانه بعنف ، و توجه نحوها بسرعة


سألها "عثمان" بصوت يدوي كالرعد القاصف و عيناه تومضان كالبرق الخاطف :


-بقي إنتي إللي مخبياها مني طول الفترة دي ؟ مخبياها فين يا نجلاء ؟ نهارك إسووود.


تنكمش "نجلاء" علي نفسها و هي تقول بخوف :


-يا Boss سمر لجأتلي و وثقت فيا . كنت هعمل إيه يعني ؟

لازم كنت أساعدها . و بعدين ما أنا جيت أقولك أهو لما شوفت معاد ولادتها قرب و هي لسا علي عنادها قلت لازم أقولك بقي !


حدق فيها غاضبا و رد مزمجرا :


-ماشي يا نجلاء . حسابك معايا بعدين

و دلوقتي قوليلي مكان المقر السري للخيانة.


نظرت له بإستغراب ، فصاح بها :


-قوليلي زفت عنوانك إيــــــــه ؟؟؟


نجلاء بتلعثم :


-حـ حاضر يافندم . العنوان 9 شارع ******* الدور الرابع شقة 8 !


لم يفوت "عثمان" ثانية أخري ، بالكاد أخذ هاتفهه و سلسلة مفاتيحه و غادر شركته بسرعة رهيبة ...


كان يصعد المنحدر بالسيارة عندما أصبح الطريق أكثر إكتظاظا في وسط المدينة


بدا نافذ الصبر و هو يقود عاجزا عن إختراق الطريق بجنون كي يصل إليها بسرعة ، إذ كان مضطربا متوترا ، قلبه يرف في صدره كالطائر الطنان


يتحرق شوقا للقائها ، بعد كل هذه المدة .. يعثر عليها أخيرا ، حبيبته ، تلك التي نبض قلبه و لأول مرة معها و لأجلها ، و رغم ذلك أذاقها مرارة العذاب و الذل و القهر ..


تري كيف هي الآن ؟ .. كيف صار شكلها و بعد تسعة أشهر من الحمل ؟؟؟


سيعرف بعد لحظات .. فقد وصل أخيرا عند البناية التي تقطن بها "نجلاء" و هو ينطلق راكضا في هذه اللحظة للداخل صوب المصعد ...


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


عند "سمر" ...


وصلت "زينب" قبل دقائق قليلة ، لتجد هذه المسكينة تعاني آلم المخاض وحدها ، حتي أنها لم تقدر أن تقوم لتفتح لها باب الشقة


فإضطر البواب أن يكسره ليدخلها ..


-آاااااه . مش قآادرة يا ماما زينب همووووت ! .. هكذا كانت "سمر" تصرخ بقوة و هي تتلوي بإستمرار فوق الكرسي و جسدها كله ينضح عرقا


زينب و هي تمسح علي شعرها بحنان :


-معلش يا حبيبتي إمسكي نفسك شوية الإسعاف في الطريق.


سمر ببكاء :


-مش قادرة . أنا هموت يا ماما

مش هقدر أكمل همووت.


زينب بجزع :


-بعد الشر عليكي يابنتي ماتقوليش كده إن شاء الله هتقومي بالسلامة .. ثم نظرت إلي البواب و قالت بإنفعال :


-إطلب الإسعاف تاني يابو حسين إستعجلهم البت علي أخرها.


البواب بلهجة إسكندرانية :


-و أني هنعمل إيه بس يا إست زينب ؟ طلبتهم 3 مرات لحد دلوقت . ربنا يسلمها بعون الله.


و هنا ظهر "عثمان" علي عتبة الباب ..


تجمد بمكانه لوهلة ، لقد كانت هي هذه المرة .. إستطاع أن يراها حقا ، لم تكن أوهام و لا هلاوس ، لم يكن يتخيلها كما في الليالي السابقة


أنها أمامه علي بعد خطوات ... يالجمال هذه اللحظة ، كم هي لذيذة لحظة اللقاء بعد طول غياب


و لكن سرعان ما تحولت اللذة إلي الألم عندما لاحظ حدة عنائها و سمع صوت آهاتها .. إندفع "عثمان" صوب زوجته متجاهلا وجود أحدا غيره و غيرها بالمكان


كوب وجهها بكفيه و هو يقول بلطف شديد :


-سمر . حبيبتي

مالك ؟؟؟


و بينما كانت "زينب" مصدومة من إنضمامه المفاجئ ، فتحت "سمر" عيناها الذابلتين و نظرت إليه غير مصدقة ..


--إنت ! .. قالتها "سمر" بصوت هامس ذاهل


عثمان و هو يجفف العرق عن وجهها بكفه :


-إطمني يا سمر . هتبقي كويسة

أنا جمبك مش هاسيبك.


تفقد "سمر" و عيها بعد ذلك مباشرةً ، لتصيح "زينب" بذعر :


-يا لهوي ! البت هتروح مني . جرالها إيه ؟

مابتنطقش ليــــه ؟؟؟ و الإسعاف ولاد الـ××× إتأخروا.


أخيرا يلاحظ "عثمان" وجود "زينب" و ينتبه لكلامها ..


-أنا شوفت مستشفي قريبة من هنا و أنا جاي .. قالها "عثمان" بتوتر و هو ينحني ليحمل "سمر" بحذر


-هاوديها حالا !


ثم إتجه بها للخارج مسرعا ، و لحقت "زينب" به أيضا و هي تحمل "ملك" بدورها ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


كانت الولادة متعثرة للغاية ... لولا أنه جلبها إلي هذه المشفي التخصصي ، لكان وضعها أكثر صعوبة


يخرج الطبيب من غرفة العمليات بعد قضاء ثلاث ساعات كاملة ، لينطلق "عثمان" صوبه و يسأله بتلهف :


-دكتور . طمني من فضلك

سمر عاملة إيه ؟؟؟


الطبيب مبتسما بإنهاك :


-الحقيقة مدام حضرتك من أصعب الحالات إللي مرت عليا

البيبي كان في خطر هو و هي لإنه كان هينزل برجليه . طبعا إحنا عملنا محاولات كتير عشان تولد طبيعي بس للآسف حالتها ماسمحتش خالص فإضطرينا للجراحة.


عثمان بقلق :


-يعني إيه ؟ هي كويسة و لا لأ ؟؟؟!!!


الطبيب بصوته الهادئ :


-إطمن يافندم هي دلوقتي بخير و إبنك كمان كويس أوي.


عثمان براحة غامرة :


-الحمدلله.


-ممكن نشوفها يا دكتور ؟ .. هكذا جاء صوت "زينب" متسائلا من خلف "عثمان"


الطبيب بلباقة :


-حاليا هيكون صعب شوية يا هانم لإنها لسا تحت تأثير المخدر . كمان شوية هتفوق و هنكون نقلناها في أوضة وقتها تقدري تشوفيها.


يمد "عثمان" يده إلي الطبيب و يصافحه و هو يقول بإمتنان :


-أنا متشكر أووي يا دكتور

بجد شكرا علي تعبك.


الطبيب بإبتسامة :


-لا شكر علي واجب يافندم . ده شغلي و بعدين أنا ماعملتش حاجة أنا كنت مجرد آداة في إيد رينا . أشكره هو.


عثمان بسعادة :


-الشكر لله طبعا.


و إستأذن الطبيب ليذهب و يتابع جدول عمله ، بينما مضي "عثمان" إلي الرواق الفارغ و أخرج هاتفهه ليجري بعض المكالمات ..


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


كانت نائمة علي السرير الأبيض ، في رداء طبي مشبع برائحة البينج ..


عندما بدأت في إستعادة وعيها ، سمعت صوت طنين جهاز رسم القلب قرب أذنها .. أملت أن يكون هذا يعني أنها حية ، و لكن إحتمال موتها أصبح بعيدا الآن


فهي تشعر بالألم و الإنهاك ، لا يمكن أن يكون الموت مؤلما هكذا ..


شعرت "سمر" بضغط علي يدها اليسري ، فحاولت رفعها لكنها عجزت ... لتسمع في هذه اللحظة صوته الذي لا يخطئه السمع أبدا :


-سمر . حبيبتي إنتي فوقتي ؟!


جاهدت "سمر" لتزيح أجفانها عن عينيها و تري لو كان هذا حقيقة أم خيال ..


نجحت بالفعل و رفرفت عيناها يمنة و يسرة حتي إستقرت عليه .. حملقت فيه بصدمة ، كان وجهه علي مقربة شديدة من وجهها ، مستندا بذقنه علي حافة وسادتها


إذن فهو كان أخر من رأته قبل أن تفقد الوعي ، لم يكن حلما


إرتعدت "سمر" في هذه اللحظة عندما تذكرت طفلها ، أمسكت ببطنها الفارغة الآن و صرخت بصوت مختنق :


-إبنـــــي . فيــــن إبنـي ؟ خته مني

وديته فيــــن ؟؟؟


أمسك "عثمان" بكفيها و رفعهما حذو رأسها حتي لا توذي منطقة الخياطة ، و قال يهدئها :


-إهدي يا سمر . الولد كويس و أنا ماختوش في حتة

هو في الحضانة و جارتك إللي إسمها زينب دي راحت تطمن عليه.


تهدأ حركة "سمر" الآن ، و تشيح بوجهها عنه و عيناها تذرفان الدموع ..


-حمدلله علي سلامتك ! .. تمتم "عثمان" بصوت خافت ، و تابع :


-كنت هموت من الخوف عليكي . كده يا سمر تبعدي كل المدة دي ؟ عملتي كده ليه ؟ أنا كنت وحش معاكي في الفترة الأخيرة ؟!


سمر بصوت متحشرج ضعيف :


-إنت جاي تمثل عليا تاني ؟ أنا المرة دي ماعنديش حاجة أديهالك . ماعنديش حاجة غير إبني و ده بتاعي أنا إنت أصلا ماكنتش عاوزه و إدتني حبوب منع الحمل عشان تضمن إنه مش هيجي . بس أهو جه و أنا عايزاه.


عثمان بحنان :


-و أنا كمان عايزه . و عايزك بردو

عايزكوا إنتوا الإتنين يا سمر.


سمر بدموع :


-و أنا مش عايزاك . إنت خسرتني كل حاجة

نفسي و كرامتي و حياتي .. و أخرهم أخويا . إنت أسوأ حاجة حصلتلي !


و هنا إنفتح باب الغرفة ، ليدخل "فادي" بشئ من التردد


لم تصدق "سمر" عيناها في بادئ الأمر ، و رفعت رأسها عن الوسادة و هي ترمقه بفم مفتوح ...


إبتسم "عثمان" بإنتصار ، بينما مضي "فادي" نحو أخته قاطبا حاجبيه بتحفظ


لم تستطع "سمر" التأكد من أنه ماثلا أمامها حقا ، إلا عندما تحدث ..


فادي بإقتضاب و هو يتهرب من النظر في عينيها :


-حمدلله علي سلامتك !


تفيض دموعها أنهارا عند نطقه بها ، و كأنه كان مغتربا عنها لزمن طوييييل و عاد لتوه ..


رق قلب "فادي" حين رآها هكذا ، و جلس في وضع الركوع أمام سريرها .. مسح علي شعرها الحريري بكفه ، و قبل جبينها و هو يقول بصوت مختلج :


-حمدلله علي سلامتك يا حبيبتي . بس بقي ماتعيطيش

أنا بكره العياط.


و مسح دمعة كادت تفر من جانب عينه ..


-طيب أسيبكوا مع بعض شوية .. قالها "عثمان" و هو يقوم من مكانه


-عن إذنكوا !


و خرج ... لتدقق "سمر" النظر في وجه أخيها من خلال الدموع المتراقصة بعيناها


نطقت بنبرة ممزقة :


-فادي ! .. إنتي هنا بجد ؟؟؟


فادي بدموع :


-أيوه يا سمر . أنا هنا.


سمر بصوت كالأنين :


-يعني سامحتني ؟!


أومأ "فادي" و أجابها بإبتسامة حزينة :


-إحنا مالناش غير بعض . و أنا مستحيل أتخلي عنك

إنتي أختي.


أجهشت "سمر" بالبكاء و دفنت وجهها في صدره ، ليربت علي كتفها هامسا بلطف :


-بس يا حبيبتي . كله هيبقي تمام

بإذن الله !


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


في الخارج ...


يقف "عثمان" أمام الغرفة مسندا رأسه إلي الجدار .. تصل "صفية" مع "صالح" في هذا الوقت ، و نادت عليه عندما لمحته :


-عثمان !


إعتدل "عثمان" في وقفته ، و إستدار نحوهما و هو لا يزال واقفا بمكانه ..


-جبتي الهدوم ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل حين وصلا عنده


صفية و هي تشير للحقائب التي بيديها و بيدي "صالح" :


-جبت كل حاجة يا عثمان . غيار و طقم و بطنية صغيرة و Powder و lotion ( كريم للجلد ) كل حاجة موجودة ماتقلقش .. ثم قالت بحماسة شديدة :


-بس هو فين حبيب قلب عمتو ؟ همووت و أشوفه !


عثمان بإبتسامة :


-في الحضـَّانة . روحي لبسيه الحاجات دي و جهزيه كده عشان هنمشي كمان شوية.


صفية بإبتسامة عريضة :


-أووك .. و إلتفتت لتذهب حيث أرشدها ، لكنها إلتفتت إليه فجأة و صاحت بإستذكار :


-أه عثمان . مامي جاية دلوقتي مع أنكل رفعت.


عثمان بإستنكار :


-جاية إزاي يعني و هي تعبانة ؟!


هزت "صفية" كتفاها و قالت :


-هي إللي أصرت لما قولتلها . ماقدرتش تصبر عشان تشوف البيبي . صحيح إنت قررت تسميه إيه ؟؟


عثمان بثقة :


-يحيى طبعا.


صالح مهنئا :


-مبروك يابو يحيى !


عثمان بإبتسامة :


-الله يبارك فيك يا صالح . عقبالك.


صالح و هو ينظر إلي "صفية" :


-أمين يسمع من بؤك ربنا.


عضت "صفية" علي شفتها بخجل و قالت بإرتباك :


-طيب أنا هروح أشوف يحيى بقي و أجهزه زي ما قال عثمان . تيجي معايا يا صالح ؟!


تنهد "صالح" و قال :


-يلا بينا.


و ذهبا ... ليخرج "فادي" بعد لحظات و يهم بالمغادرة ، فإستوقفه "عثمان" :


-فادي !


إستدار "فادي" إليه بوجه خال من التعابير ، بينما إقترب منه "عثمان" و قال بتهذيب :


-شكرا إنك جيت.


فادي بصوت جاف :


-أنا جيت عشان أختي.


-أنا عارف . بردو شكرا.


رمقه "فادي" من علو و قال :


-أنا عارف سمر كويس . و متأكد إنها أطهر مخلوقة علي وجه الأرض لولا بس تصرفها خانها في لحظة يأس عمرها ما كانت سلمتلك.


عثمان بجدية :


-فادي سمر دلوقتي بقت مراتي و أم إبني

مش ممكن أجرحها أو أسمح لحد يقول عليها نص كلمة . الماضي كله إدفن و مش هيصحي تاني . أوعدك.


أومأ "فادي" بوجوم ، ثم قال :


-خلي بالك من إخواتي !


عثمان بإبتسامة :


-إطمن . و وقت ما تحب تشوفهم أهلا بيك دايما.


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في سيارة "رفعت البحيري" ... جلست "فريال" بجانبه و آثرت الصمت من بداية الطريق


بينما لم يستطع "رفعت" مقاومة نفسه أكثر من ذلك ، كما أن هذه فرصة لا تعوض و هي معه الآن وحدها ، لا يمكن لأحد أن يقاطع حديثه معها ..


-فريال ! .. قالها "رفعت" بصوت مهزوز ، لتنقبض "فريال" و تتوتر خاشية ما يريد قوله


رفعت بنبرة معذبة :


-أرجوكي كفاية تعامليني المعاملة دي . أنا غلط في حقك قبل كده و غلط في حق أخويا كتير و كنت أعمي لما إستمريت في حبـ .. لما إستمريت في تفكيري الغلط

بس أنا ندمان . و إنتي لازم تعرفي إن مهما بلغ حجم الخلاف بيني و بين أخويا إستحالة آذيه . ده أخويا يا فريال . أنا كنت بغير منه و يمكن بحقد عليه كمان . لكن عمري ما فكرت آذيه و لا عمري أتمنيتله الشر . كان نفسي أبقي زيه بس . كان نفسي يبقي عندي زي إللي عنده

لكن عمري و الله ما كرهته و لا أتمنيت يحصله حاجة وحشة . أنا ماكنش ليا غيره و بعده بقيت منغير ضهر . شيلت مسؤولية بيته و بيتي بعد ما راح . أنا بحب أخويا يا فريال . لازم تفهمي ده كويس.


كانت دموعها تسيل أثناء حديثه ، لتضغط علي شفتاها عندما فرغ ، و تجفف خديها بمنديل


ثم تدير وجهها إليه و تبتسم بخفة و هي تومئ يرأسها بلطف ..


أطلق "رفعت" زفرة راحة ، و بادلها الإبتسامة و هو يقول :


-أنا من الصبح حاسس إنه معانا يا فريال . حاسس إنه رجع !


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


في غرفة "سمر" ...


الجميع يلتف حولها في سعادة واضحة .. "عثمان" و "زينب" و "صالح" و "صفية" الطفل آسرهم جميعا و حولهم إلي أشخاص مختلفون


فقد تصرف "عثمان" برقة و وداعة بالغة و هو يضع الصغير بين ذراعي أمه. . حتي "سمر" لم تقو علي إخفاء فرحتها بإبنها


فضمته إلي صدرها بحب ، و قبلت رأسه بحنان ..


صحيح آنه طفل حديث الولادة ، لكنه جميل .. ملامحه تشي بجماله الآخاذ ، بشرة بيضاء ملساء ، وجنتان متوردتان ، و شعر غزير حالك اللون و ناعم كالحرير


حتي عيناه عندما فتحها قليلا ، إستطاعت أن تتبين لونهما .. بحر رمادي غامق كبحر الأسكندرية في نهار شتوي ماطر


إنه جميل للغاية ، بل فائق الجمال ..


-أيوه يا أنكل ! .. كان هذا صوت "صفية" و هي تتحدث عبر الهاتف إلي عمها


-طلعت الدور السابع ؟ الأوضة إللي في الوش بقي . أيوه رقم 410 . أوك . باي .. ثم نظرت إلي أخيها و قالت بسعادة :


-مامي وصلت.


دقيقة و كان الباب ينفتح من جديد ... لتدخل "فريال" مستتدة إلي ذراع "رفعت"


كانت تبحث عن شئ معين ، و كأنها لا تري غيره بالمكان .. و إستقر بصرها عليه


أسرع "عثمان" و أخذ الطفل من "سمر" بعد أن حصل علي الإذن منها ، ذهب به إلي أمه التي تهاوت علي كرسي قام "صالح" بإحضاره لها عندما لاحظ إرتجاف ساقاها ..


إحتوت "فريال" حفيدها بين ذراعيها .. تطلعت في وجهه مشدوهة ، بينما أجاب "عثمان" عن سؤالها الصامت :


-يحيى يا ماما !


قالها "عثمان" فلم تشعر "فريال" بطوفان الدموع الذي أخذ يتدفق من مآقيها


كما لم تشعر بتحرك لسانها الثقيل الهامد منذ مدة طويلة ، منذ رحيله ، و كأنه أخذ صوتها معه و أعاده لها عندما عاد هو الآن ..


-يـ .. يـ ...يـحـ .. ـيـ .. يـ..حـ.. ـيـ..ـي !


تبادل الجميع نظرات الذهول و الفرح ، و جثت "صفية" أمام والدتها و هي تقول بإبتسامة ممزوجة بدموعها :


-مامي إنتي بتتكلمي ؟؟؟ .. و إلتفتت إلي "عثمان" صارخة بفرحة :


-عثمآاااان . مامي بتتكلم !


إبتسم "عثمان" بشدة ، و إنحني ليقبل رأس أمه


بينما رددت "فريال" ثانيةً و هي لا تكف عن النظر و التفرس في ملامحه :


-يـ..ـ..حـ.ـيـ.ـى !

متابعه

عزلاء أمام سطوة ماله


( 62 ) و الأخير


_ عهد ! _


لم يطول مكوث "سمر" بالمشفي ... و بناء علي طلب "عثمان" و إلحاحه كتب لها الطبيب تصريحا بالخروج ، لكنه شدد علي وجوب الإعتناء بها و عدم قيامها بأي مجهود لمدة إسبوع علي الأقل


من جهة أخري كلف "عثمان" أخته بالذهاب للسوق التجاري لإستكمال تجميع بقية ملابس إبنه ، رحبت "صفية" بطلبه و إصطحبت "صالح" معها كما فعلت بالمرة السابقة


إشترت أشياء كثيرة جدا ، ضاع النهار كله في التسوق و إنتهي عندما شعرت "صفية" بالتعب و أشفقت علي حالة "صالح" أيضا فهو لا يزال في طور النقاهة

لم يسترجع قوته كاملة بعد ، لذا لا يجب أن تحمله فوق طاقته خاصة و أنه لم يبدي تبرما أو إنزعاجا حتي الآن مخافة أن يغضبها


إبتسمت "صفية" له بحب ، و شبكت يدها بيده ، ثم إنطلقا عائدان إلي البيت ..


البيت الذي بدا مبهج لأول مرة منذ أشهر عديدة ، و السبب إنضمام فرد جديد لعائلة "البحيري" و ليس أي فرد ، إنه النسخة المصغرة من جده ... "يحيى" الصغير


الملاك الذي جلب معه السعادة و المودة و الحب للجميع ، و الشفاء إلي جدته


لم تتركه "فريال" أبدا منذ خروجهم من المشفي ، كانت مسحورة به و أبت أن يفارقها و لو لثانية واحدة .. و هذا أمر أغضب "سمر" للغاية ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


و في إحدي الليالي ...


تستقبل "سمر" زوجها فور دخوله من باب الغرفة بعبارة حادة :


-لو سمحت تروح دلوقتي حالا و تجبلي إبني !


رمقها "عثمان" بنفاذ صبر ، ثم نظر إلي "تانيا" و قال :


-بليز يا مس تانيا !

خدي ملك لأوضتها عشان تنام . it's late ( الوقت إتأخر ).


قامت "تانيا" التي كانت تجلس بـ"ملك" علي مقربة من أختها و أخذتها لتوصلها إلي مخدعها كما أمر "عثمان" ..


و بينما توجه هو صوب غرفة الملابس ، إستشاطت "سمر" غيظا لأنه عمد أن يتجاهلها


تحاملت علي نفسها و نهضت لتتبعه و هي تزمجر بغضب :


-إنت بتتجاهل كلامي و عامل مش سامعني ؟

بقولك عايزة إبني . عايزاه دلوقتي هاتهووولي.


يضع "عثمان" البيچامة التي أخرجها من خزانته علي الكرسي ، ثم يلتفت إليها و يقول بصوت هادئ :


-إيه يا حبيبتي ؟ مالك بس ؟ كل يوم لازم تسمعيني الإسطوانة دي ! تقوليلي فين إبني أقولك عند أمي

هي لعبة و لا سيناريو مقرر كل ليلة يا سمر ؟!


سمر بحدة :


-مش لازم يكون عند مامتك علي فكرة . ده إبني أنا و لازم يكون معايا أنا ده من يوم ما إتولد ماشفتوش إلا كام مرة يتعدوا علي الصوابع . في شرع مين إللي بيحصل ده ؟؟!!


تنهد "عثمان" بصبر ، ثم قال بلطف :


-يا حبيبتي ماما فرحانة بيه . مش قادرة تسيبه ده هو إللي شفاها بإذن ربنا طبعا و حاسة إنه بيعوضها غياب بابا

مقدرش أبعده عنها طالما بقت كويسة بسببه و هي مش هتاكله يعني يا سمر.


سمر بعصبية :


-ماتقدرش تبعده عنها بس تقدر تبعده عني ؟ أنا أمه و هو من حقي أنا . أنا إللي تعبت فيه و شوفت العذاب و الذل . مش من حق أي حد بعد ده كله يجي ياخده مني علي الجاهز !


إقترب "عثمان" منها و جذبها نحوه من كلتا ذراعيها قائلا بغلظة :


-سمر ! لما تتكلمي عن أمي تتكلمي بأدب

و بعدين محدش منعك عن إبنك تقدري تروحي تقعدي معاهم هما الإتنين لكن حتة إنك عايزاه ليكي لوحدك محدش يشاركك فيه دي مش هتنفع . يحيى مش إبنك لوحدك هو إبني أنا كمان و كل إللي في البيت أهله ليهم فيه بردو و أولهم أمي سامعة ؟؟؟


أطرقت "سمر" رأسها بإنكسار و أخذت تنتحب بمرارة ..


تآفف "عثمان" بضيق و ضم رأسها إلي صدره و هو يقول بغيظ :


-أنا مش عارف ليه مصرة دايما تبوظي إللي بينا ؟

كل لحظة لازم تعديها بنكد يا سمر . أنا بحاول أصلح و إنتي بتهدمي !!!


سمر بصوت مكتوم علي صدره :


-من فضلك هاتلي إبني . أنا عايزاه .. ثم قالت نائحة و هي تتلمس ثديها المحتقن باللبن :


-عايزه أرضعه !


مسح "عثمان" دموعها عن خديها الملتهبين بأصابعه الباردة ، ثم قال بحنان :


-حاضر يا سمر . حاضر

هاروح أجبهولك دلوقتي.


و بالفعل ذهب و أحضره لها بعد أن إستأذن من أمه بطريقة لطيفة مهذبة ..


تناولت "سمر" طفلها من "عثمان" و ضمته في حضنها بشوق كبير


راحت تداعبه و تلاطفه قليلا .. ثم أخذته و جلست بعيدا عن أعين والده لترضعه في شئ من الخصوصية المتعلقة بها و به


إبتسم "عثمان" بسعادة و هو يراقبهما من مكانه ، أخيرا أصبح لديه أسرة خاصة به .. أجمل زوجة و أجمل طفل في العالم ، يا له من كرم إلهي كبير لا يستحقه ..


-بس إحترت معاكي يا سمر .. تمتم "عثمان" لنفسه و هو يرمقها بآسي ، لكنه تابع بإصرار :


-و لو . بردو مسيري إخليكي تنسي . و مسيرك تحسي و تشوفي إنك غيرتيني بجد !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


صباح يوم جديد ... تحتل "صالح" نوبة خلل عقلي من العيار الثقيل ، ليذهب إلي غرفة "صفية" بدون تفكير و يقتحمها دون إستئذان


كانت مستغرقة في النوم عندما شعرت بشخص يمسك بيدها و يقتلعها من سريرها بالقوة


فتحت "صفية" عيناها بذعر ، لتكتشف أنه "صالح" ...


-صالح إنت بتعمل إيه ؟! .. صاحت "صفية" بصدمة


صالح بخشونة و هو يجرها خلفه بعنف :


-تعـآااالي . إنهاردة أجازتهم

و رحمة أمي لأقطع عرق و أسيح دم إنهاردة . يا أنا يا إنتوا !


صفية بذهول :


-أنا مش فاهمة حاجة في إيه يا صالح ؟؟؟!!!


صالح بصرامة :


-هتفهمي دلوقتي كل حاجة.


و ها هم الآن أمام حجرة المكتب بالطابق السفلي ... يدفع "صالح" الباب بقوة و يدخل و هو ممسكا بـ"صفية" بهذا الشكل الهمجي ..


ينظرا لهما كلا من "رفعت" و "عثمان" بدهشة شديدة ، فيبادر "صالح" :


-من الأخر كده محدش فيكوا هيتحرك من هنا قبل ما أعرف راسي من رجلي.


تنظر "صفية" له بخوف و تستنجد بأخيها :


-إلحقني يا عثمان . صالح إتجنن !


-سيبها يا صالح إيه إللي إنت بتعمله ده ؟ .. قالها "عثمان" بحدة و هو لا يزال جالسا بمكانه قبالة عمه


صالح بإنفعال :


-مش هسيبها . مش كل حاجة تمشي بمازجكوا و لا بمزاجك إنت بالذات ياسي عثمان.


عثمان بحدة أكبر :


-لأ إنت إتجننت فعلا . إنت شارب إيه عالصبح ياض ؟


و هنا تدخل "رفعت" بحزم :


-صآالح . سيب بنت عمك ماسكها كده ليه و بتعمل كده ليه ؟؟


صالح بغيظ :


-أنا خلاص جبت أخري . بقالنا 4 سنين مخطوبين و كل شوية الفرح يتأجل . أخوها إتجوز و خلف و أختي إتجوزت و سافرت و الدنيا معاهم كانت جميلة لكن بتيجي لحد عندي أنا و بتقفل . إسمعوني كويس أنا مش هفوت إنهاردة علي خير لو محدش حددلي معاد فرحي أديني بقولكوا أهووو !


نظر "عثمان" إلي عمه و قال بدهشة :


-لا حول و لا قوة إلا بالله . الواد حالته بقت صعبة أوي يا عمي !


رفعت موافقا بإبتسامة ملتوية :


-عندك حق . محتاج يتعالج.


-إنت بتتريقوا ؟! .. تساءل "صالح" و هو يغلي من الغيظ ، و أكمل بتهديد :


-طيب و الله لو عدا الشهر ده و هي مش مراتي هغتصبها و إنتوا حرين بقي.


عثمان صائحا بغضب :


-إحترم نفسك يابني إنت . إيه القرف إللي بتقوله ده ؟


رفعت بصرامة :


-خلآاااص . خلاص إنت و هو بطلوا كفاية .. ثم قال بجدية :


-أنا شايف إن أوضاعنا إستقرت في الفترة الأخيرة و فعلا فرح صالح و صافي مش هيضر لو إتعمل في نص الشهر

إنت إيه رأيك يا عثمان ؟ عندك إعتراض علي حاجة ؟!


عثمان بعد تفكير :


-ماعنديش بس نسأل ماما بردو

و كمان نسأل صافي جايز تكون غيرت رأيها و لا حاجة !


صالح و هو ينظر لها مستهجانا :


-نــــعـــم ! مين دي إللي غيرت رأيها ياخويا ؟؟؟


صفية مؤنبة أخيها بتلعثم :


-غـ غيرت رأيي إيه بس يا عثمان ! آ أنا موافقة طبعا.


عثمان بسخرية :


-أوك يا حبيبتي . مبروك عليكي أبو الشباب إللي واقف جمبك . أخرت صبرك يا صفية أهطل فرع في العيلة .. و إنفجر ضاحكا


حدجه "صالح" بنظرات حانقه ، لتمسك "صفية" بذراعه و ترد بإستنكار ممزوج بالإرتباك :


-ده أحسن فرع في العيلة . مالكش دعوة إنت يا عثمان

أنا بحب صالح و بموت فيه إطلع منها إنت.


عثمان بضحك :


-بقي كده ؟ مآاااشي ياستي . ربنا يهنيكوا هو الواحد هيعوز إيه غير كده يعني ؟

عن إذنكوا أما أطلع أبلغ ماما بالخبر السعيد ده !


و قام ، ليقول و هو يمر بمحاذاة "صالح" :


-مبروووك يا صلَّوحي .. و ضربه بخفة علي كتفه و هو يطلق مزيدا من الضحكات المجلجلة


صالح بحنق :


-عجبك كده ؟


صفية و تربت علي صدره بلطف :


-معلش يا حبيبي . يعني إنت ماتعرفش عثمان ؟ هو بيهزر معاك.


صالح بتبرم :


-هزار بارد زيه.


صفية بنعومة :


-خلاص بقي إنسي يا حبيبي .. ثم تحولت لهجتها للخوف مرة أخري :


-بس أنا بقي إللي مش هقدر أنسي شكلك من شوية و إنت مجرجرني من أوضتي لحد هنا . إنت خوفتني أووي يا صالح !


صالح بأسف :


-أنا آسف يا حبيبتي بس Really أنا كنت متعصب أوي و علي أخري . حسيت إني هنفجر !


صفية بحب :


-بعد الشر عليك يا قلبي.


صالح بغمزة :


-خايفة عليا ؟


صفية و هي تعض علي شفتها بخجل :


-طبعا . مش حبيبي و هتبقي جوزي قريب ؟!


صالح متمتما برومانسية :


-بحبك يا صافي .. و كاد أن يضمها بين ذراعيه ، ليصيح "رفعت" من مكانه بحدة :


-هو أنا خيال قاعد قدامكوا و لا إيه يعني مش فاهم ؟؟!!


دلو ماء بارد سقط علي رأسيهما ، ليفيقا من الحلم الوردي الذي كان يلفهما بقوة .. تفر "صفية" راكضة فورا ، بينما يحدق "صالح" بوالده بسأم شديد


صالح بضيق :


-أقسم بالله إنتوا عالم فصيلة و مستقصدني كلكوا متفقين عليا و الله و من زمان أنا عارف . حسبي الله و نعم الوكيل .


ثم لحق بـ"صفية" ..


ليضرب "رفعت" كفا بكف و يقول :


-ربنا يشفيك يابني !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


و أخيـــــــــــــــــرا ...


يقام حفل زفــاف "صالح" و "صفية" بمنتصف الشهر كما قرر "رفعت" .. البيت كله في حالة طوارئ منذ الصباح ، الجميع مشغول بالتجهيزات و التحضيرات


خبيرة التجميل عند "صفية" من بداية النهار ، تعمل عليها وحدها ، أما "صالح" فذهب لصالون رجالي شهير بالمدينة و سيعود عند غروب الشمس


وصلت "هالة" من السفر مع "مراد" باكرا بعد أن إتفقا أن يعودا في نفس اليوم لكثرة مشغوليات "مراد" بشركته الجديدة التي إفتتحها منذ شهران


أظهر الزوجان حبهما و أعجابهما بـ"يحيى" عندما قابلاه ، فقد نجح كالعادة بنثر سحره عليهما أيضا .. علي الطرف الآخر ، ينشب عراك جديد بين "عثمان" و "سمر" بسبب رفضها حضور الفرح ..


-هتحضري غصب عنك ده فرح أختي ! .. هكذا زمجر "عثمان" بغضب


ردت "سمر" بتحد :


-مش هحضر ماليش دعوة

هو بالعافية ؟!


عثمان بعصبية :


-أه بالعافية و وريني كلمتك هتمشي إزاي يا سمر ؟ أنا عايزك تجيبي أخرك معايا إنهاردة أنا خلاص زهقت منك و أعصابي فلتت.


يدق باب الغرفة في هذه اللحظة ... لتدخل "فريال" حاملة "يحيى" الصغير بيد و حقيبة صغيرة باليد الأخري ..


-في إيه يا عثمان صوتكوا عالي كده ليه ؟؟؟ .. قالتها "فريال" بتساؤل و هي تنقل نظرها بين إبنها و زوجته بتوجس


زفر "عثمان" أنفاسه بغضب و أجابها بإقتضاب :


-مافيش حاجة يا ماما . مشكلة صغيرة بنحلها.


فريال بإستنكار :


-مشكلة صغيرة تتحل بالصوت العالي ده !!


صمت "عثمان" عابسا بتبرم ، لتأمره أمه بصوتها الرقيق :


-سيبني شوية مع مراتك يا عثمان . روح شوف الضيوف إللي وصلوا.


إنصاع "عثمان" لكلام أمه و خرج و هو يضم قبضتاه بغضب شديد ..


إقتربت "فريال" من "سمر" و لمست ذراعها بخفة و هي تقول بود :


-تعالي يا حبيبتي . تعالي نقعد نتكلم شوية.


و بعد أن جلست "سمر" أمامها ..


فريال بنبرتها المخملية الموسيقية :


-و بعدين يا سمر ! مش ناوية تسامحي يا حبيبتي ؟ مش ناوية تنسي و تعيشي حياتك و تسعدي إبنك و جوزك ؟!


نظرت لها "سمر" بعينين ملؤتهما الدموع و قالت :


-حضرتك عايزاني أنسي إيه ؟ و أنسي بسهولة ؟ أنا عارفة إن الغلط مني أنا . أنا أكتر واحدة غلطانة . بس أنا بردو ماسمحتش نفسي . يبقي هسامحه هو إزاي ؟؟!!


فريال بتأثر :


-يا حبيبتي الدنيا أقصر من إننا نعيشها في الخلافات و الزعل . الإنسان بيروح بسرعة . و أنا معاكي إن إنتوا الإتنين غلطوا . بس ربنا بيغفر و بيسامح

هو ندم و إنتي لازم تسامحيه و تبدأوا من جديد مش عشانكوا بس . عشان يحيى الصغير . لازم يكبر يلاقي أمه و أبوه علي وفاق مع بعض . إنتوا لو فضلتوا كده هيضيع منكوا . هيطلع بني آدم غير سوي و هتندموا أكتر و بالأخص إنتي يا سمر.


سالت دموع "سمر" في صمت ، لتتنهد "فريال" و تكمل :


-بصي يا حبيبتي . أنا مش هقولك إنسي كل حاجة و إتعاملي مع عثمان عادي كأنكوا لسا عارفين بعض .. بس هقولك أديله و أدي نفسك فرصة . أنا متأكدة إنه بيحبك

أنا أكتر واحدة أحس بعثمان . و الله بيحبك . و إحساسي بيقولي إن إنتي كمان بتحبيه بس مش قادرة تعترفي لا بلسانك و لا بقلبك.


سمر بصوت مهزوز :


-أنا بحب إبني . ده إللي أنا متأكدة منه.


فريال بإبتسامة :


-يبقي إحساسي في محله . إللي بيحب حد بيحب كل حاجة منه.


أشاحت "سمر" بوجهها للجهة الأخري و لم ترد ... لتتسع إبتسامة "فريال" و هي تفتح الحقيبة الأنيقة و تسحب منها فستانا أبيض غاية في الجمال و الروعة ..


إجتذب صوت الحفيف إنتباه "سمر" فنظرت لتجد هذا أمامها ... تسمرت عيناها عليه مآخوذة بجماله


قاطعت "فريال" تأملها :


-أنا عارفة إنك ماعملتيش فرح و لا لبستي عروسة . عشان كده إختارتلك ده بنفسي و يا رب ذوقي يعجبك.


سمر بإعجاب لم تستطع إخفائه :


-جميل أوي !


فريال بسرور :


-الحمدلله . هو مش زي فستان العرايس كبير و مبهرج

بس سواريه حلو و هيليق علي جسمك و طبعا مانستش إنك محجبة .. ثم قالت برجاء :


-عشان خاطري ألبسيه الليلة دي يا سمر . بليز !


إنه لمن العسير أن يرفض المرء طلب لإمرأة كهذه ، فما باله إذا توسلت إليه ..


-حاضر .. هكذا وافقت "سمر" بسهولة ، لتنفرج أسارير "فريال"أكثر و هي تقول :


-تمام يا حبيبتي . أنا هاسيبك دلوقتي بقي عشان تلبسي و هاخد يحيى معايا . و كمان هبعتلك نورا الـMake_Up Artist بتاعتي عشان تعملك مكياچك . إن شاء الله هتطلعي زي القمر !


و تركتها "فريال" و خرجت


لتجلس هي مضطربة حتي أعمق أعماقها ، فريسة حيرة كبيرة .. 


حاولت جهدها أن ترتب أفكارها و تسلط الضوء علي كلمات والدة زوجها ، و الأهم أن تقاوم نفسها بقوة .. لأنها


لأنها بالفعل تحب هذا الرجل الذي عذبها و دعس عليها و دمرها !

هذا الرجل الذي كرهته حتي الموت ، أصبح له وجها أخر الآن ، لم يعد غامضا


بسط أمامها جميع أوراقه و سلم كل أسلحته .. فقط أتاها بالحب ، لتكتشف إنها من بين كرهها له كان هو هناك ..


ملامحه غارقة في ضباب كثيف ملأ قلبها و عقلها


أطلقت "سمر" زفرة نائحة و إنهمرت دموعها ... كيف أحبته ؟


منذ متي أحبته ؟؟؟


راحت تبحث في أعماق ذكرياتها ، فأدركت بذعر أنها ، منذ اللقاء الأول شعرت نحوه ببعض الإنجذاب


و مع الوقت كان هذا الحب ينمو و يكبر أكثر تحت غطاء من الخصومة و البغض ..


و لكن كل شئ له نهاية ، و كل شئ صار واضح ، و ها هي

الآن تكتشف الطامة الكبري ... إنها تحبه !!!


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


كان "صالح" يقف هناك أسفل الدرج في إنتظار "صفية" ...


كان يرتدي حلة الزفاف السوداء و بدا فيها كالأمير ، بدا أيضا نافذ الصبر إلي درجة كبيرة .. و لم يهدأ باله إلا حين رآها أخيرا ..


ظهرت "صفية" في فستانها الأبيض الكبير الذي صمم علي يد أمهر و أشهر مصممي الأزياء بالعالم ، كانت فاتنة ساحرة ، تخطف القلوب قبل الأنظار


بدت كالملاك و شعرها مرفوع للخلف بحيث ظهر وجهها المستدير الجميل بكامله ، زينتها دقيقة و خفيفة فزادتها جمالا ، بدت كالأميرة بدورها و هي تهبط أخر درجات السلم و تضع يدها في يد "صالح" الممدودة لها ..


-أوف ! إيه الجمال ده يا صافي ؟! .. قالها "صالح" مبهور الأنفاس ، لتتورد "صفية" خجلا و تقول بخفوت :


-شكرا . إنت كمان حلو أوي.


صالح بعدم تصديق :


-أنا حاسس إني بحلم . مش قادر أصدق إن أخيرا فرحنا الليلة دي !


يأتي "رفعت" في هذه اللحظة و يضع يده علي كتف إبنه قائلا بسعادة :


-يلا يا صالح . إستني برا مع الضيوف لحد ما أجبهالك أنا و عثمان.


و أشار نحو "عثمان" الذي وقف خلفه مباشرةً ..


نظرت "صفية" نحو أخيها المبتسم لها بفرح ، فأدمعت عيناها عندما تذكرت والدها ... إقترب "عثمان" منها و كوب وجهها بكفيه و هو يقول بحنان :


-لأ يا حبيبتي . إوعي تعيطي إنهاردة بالذات

الكل فرحان يا صافي . ماينفعش دموع خالص !


إبتسمت "صفية" بشدة ، ليبادلها "عثمان" الإبتسامة و يطبع قبلة حانية علي جبهتها ... علق يدها بذراعه ، و فعل "رفعت" مثله ، أما "صالح" فخرج لينتظرهم مع الضيوف كما قال له والده ..


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


إنفجر الحشد مصفقا حين خرجت العروس برفقة أخيها و عمها .. و تدلت الزهور البيضاء و إنهالت فوق رأسها


أضأت وجه "صالح" إبتسامة عريضة جذلي و هو يستلم عروسه و يضع يدها في يده ، و يسيرا إلي حلبة الرقص ليؤديا معا الرقصة الأولي ..


أحس "عثمان" أنه أتم دوره حتي الآن و لكن تنقصه زوجته .."سمر" ..


إستدر عائدا إلي البيت ليصعد و يحضرها ، لكنه تفاجئ بها تقبل عليه برفقة أمه


تجمد بمكانه يقيسها بعيناه من أعلي إلي أسفل ، طولا و عرضا ، فالبطبع لم يفوته مظهرها و لباسها .. كانت أنيقة جدا في الأبيض ، مبهرة ، شديدة الحسن


إحمرار خديها واضح أيضا ، و إستطاع أن يتبين توترها و عصبيتها ... تلك الجميلة الساذجة الرائعة ، كيف إستحل دموعها يوما ؟ كيف جرحها ؟ كل هذه الرقة و هذا الجمال كاد أن يضيعه من يده للأبد بسبب غروره و تعاليه


يا له من غبي !


أوصلتها "فريال" له في هذه اللحظة ... أمسكت بيد "سمر" و وضعتها في يده و هي تقول مبتسمة :


-إنهاردة فرحتي بقت كاملة فعلا . بيحيى الصغير أولا و بعدين صافي و إنت و مراتك يا عثمان

إوعدني إنك هتحافظ عليها و علي إبنك . إوعدني إنك مش هتخذلها تاني أبدا !


نظر "عثمان" إلي أمه ، ثم نظر إلي زوجته و قال بإبتسامة واثقة :


-أوعدك يا ماما.


تنهدت "فريال" براحة غامرة ، ثم ضمت "يحيى" الصغير إلي صدرها و قالت :


-أنا هاخد يحيى حبيبي و نروح نقعد هناك . و إنت يا عثمان خد سمر و أرقصوا زي صافي و صالح يلا !


و أثناء الرقصة


قام "عثمان" بالمهمة كلها ، فراحت "سمر" تتمايل من غير جهد تحت بريق مظلة من الأضواء و لمعان آلات التصوير المصوبة نحوهما ..


عثمان و هو يطوق خصر "سمر" بقوة :


-إنتي ساكتة ليه ؟


سمر بإرتباك شديد بسبب نظراته المتأهبة لأقل تصرف لها :


-و هتكلم أقول إيه يعني ؟!


ضمها "عثمان" إليه أكثر و غمس نظرته اللماعة في عينيها ، ثم قال هامسا :


-قولي أي حاجة . سمعيني صوتك بس

إنتي عارفة إن شكلك حلو أووي ؟ و إنتي لابسة الأبيض أحلي من صافي . دي أكيد فكرة ماما صح ؟


أومأت "سمر" بصمت ، فضحك و عانقها و هو يقول :


-آااه مش عارف لولا ماما دي كنت عملت إيه ؟؟؟


جحظت عيناها بصدمة لفعلته و حاولت أن تفك يده من حولها ، لكن ذراعاه كتفتا يديها تماما فلم تستطع تحركيهما حتي ..


-عـ .. عثمان ! ممكن تشيل إيدك ؟ إحنا وسط الناس !!


عثمان بنصف عين :


-مشكلتك إننا وسط الناس يعني . أووك تعالي ياستي.


و سحبها معه بعيدا عن الحضور ، ليستقرا في العتمة خلف شجرة كبيرة وسط الحديقة ..


-همم كنا بنقول إيه بقي ؟! .. سألها "عثمان" و هو يضع يديه حذو رأسها محاصرا إياها من الجهتين


سمر بتوتر شديد و هي تنظر إلي وجهه في ضوء القمر :


-إنت مجنون ؟ الناس يقولوا علينا إيه و هما شايفينك مجرجرني كده لحد هنا ؟؟؟


عثمان بعدم إهتمام :


-يقولوا إللي يقولوه يا حبيبتي إنتي مراتي.


سمر بتماسك :


-بس أنا لسا ماسمحتكش.


عثمان بضيق شديد :


-يعني أعملك إيه يعني يا سمر ؟ أخدك قدام الناس و أوطي علي رجلك أبوسها ؟؟!!


نظرت له بحزن و قالت :


-إنت عملت فيا حاجات وحشة كتير ! .. و إنهمرت الدموع من عيناها


جذبها "عثمان" نحوه و قال بأسف :


-أنا عارف . بس ندمان و الله

صدقيني دلوقتي أنا عايز أعوضك بجد و أعيش معاكي في هدوء إنتي و إبني . يا سمر إنتي مراتي . إفهمي مستحيل أهينك تاني بأي شكل من الأشكال.


الدموع تنهمر أكثر من عيني "سمر" و هو يعانقها بشغف و حنان ، و أكمل :


-سامحيني لإني إستغليتك من الأول و كنت وحش معاكي . سامحيني يا سمر و إنسي كل حاجة وحشة عملتها فيكي

إنسي عشان يحيى قبل ما يكون عشاني أنا و إنتي.


أرخت "سمر" رأسها علي كتفه ، و راحت تسمع نبض قلبه بوضوح ، ثم قالت بنبرة مرتعشة :


-مش هسامحك و لا هنسي .. إلا بعد ما توعدني بحاجة !


عثمان بإسراع :


-أي حاجة . إطلبي يا سمر كل إللي إنتي عايزاه هيبقي ملكك.


-قولتلك ده وعد مش طلب.


-طيب .. عايزاني أوعدك بإيه ؟!


سمر و قد رفعت وجهها لتنظر بقوة في عينيه :


-تصلي . إوعدني إنك هتبدأ تصلي و إنك عمرك ما هتبطل أبدا.


عثمان بإستغراب :


-إشمعنا الصلاة بالذات يا سمر ؟


سمر بإبتسامة خفيفة :


-الصلاة هتقربك من ربنا . و طول ما هتكون قريب من ربنا عمرك ما هتظلم حد و لا هتظلمني.


نظر لها بحب ، و إنحني ليعانقها ، فعانقته و لم تصدق مدي سعادتها ..


همس "عثمان" بأذنها :


-أوعدك هصلي . من الليلة

أوعدك مش هاسيبك أبدا و لا هاوصلك لمرحلة الضعف زي ما عملت قبل كده و ضيعتك . أوعدك يا سمر.


و صمتا عند هذا الحد ، و راحا يعانقان بعضهما البعض .. و بعد عدة دقائق لم تحسبها "سمر" إبتعدت عنه قليلا و سألته :


-طيب و ملك ؟


عثمان بدهشة :


-ملك ؟ مالها ؟!


سمر بشك :


-عمرك ما هتفرق بينها و بين يحيى ؟ إنت عارف إنها مهمة بالنسبة لي !


عثمان بإبتسامة :


-فاكرة لما قولتلك قبل كده إني بعتبرها زي بنتي ؟

إطمني . أنا كمان بحبها و عمري ما هفرق في المعاملة بينها و بين إبني .. ثم رفع حاجبه و سألها :


-همم ! عايزة تقولي حاجة تاني ؟؟


كانت ستقول شيئا أخر ... لكنه وضع يده علي صدرها ، فوق قلبها مباشرةً ، فوجدت لسانها ينطق من تلقاء نفسه :


-بحبك !


إبتسم "عثمان" و تولت قبلته الحارة مهمة التعبير عن المشاعر التي عجزت شفتاه عن تحويلها إلي كلمات ...


تمـــــــــت


عزلاء_أمام_سطوة_ماله



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.