عزلاء امام سطوة ماله
( 31و32 )
_ آيلة للسقوط ! _
في قصر آل"بحيري" ... تجر "فريال" عربة الطعام في إتجاه السرير ، ثم تجلس علي الحافة بجانب "يحيى"
تميل نحوه و تهمس و شفتاها تحتك بأذنه :
-يحيى . حبيبي .. يحيــــي . يلا بقي قوم بقينا الضهر .. قوم جبتلك الفطار لحد هنا !
يتململ "يحيى" محاربا نعاسه ، ثم يفتح عيناه بتثاقل ..
-إحنا صباحنا أبيض و لا إيه ؟ .. قالها "يحيى" بإبتسامة و هو يقوم و يتكئ علي مرفقه
فريال و هي ترد له الإبتسامة :
-صباح الفل يا حبيبي . يلا قوم عشان تفطر.
يحيى بدهشة و هو ينظر إلي صحون الطعام :
-كمان جايبالي الفطار لحد السرير !
فريال بإبتسامة رقيقة :
-طبعا يا قلبي هو أنا عندي أغلي منك ؟!
يشدها "يحيى" صوبه و يطبع قبلة خفيفة علي شفتها ، ثم يقول :
-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي . طيب يادوب بقي أفطر بسرعة و أقوم ألبس عشان أروح أبص بصة علي الشركة من يوم ما رجعت من السفر ماعتبتهاش.
فريال بإستنكار :
-شركة إيه يا حبيبي ؟ قولتلك مافيش نزول من هنا.
يحيى بضيق :
-يا فريال مش كده . فكي الحصار ده من عليا أبوس إيدك أنا من ساعة ما وصلت ماخرجتش برا الأوضة كده الشغل هيتعطل و بيتنا هيتخرب.
فريال بإستياء شديد :
-بقي كده يا يحيى ! يعني قصدك إني حبساك غصب عنك ؟ طيب . ماشي . قوم بقي أعمل إللي إنت عايزه.
و كادت أن تقوم من جانبه ، ليقبض علي رسغها بقوة و يرجعها إلي مكانها و هو يقول بلطف ممزوج بالإرتباك :
-حبيبتي يا ريري إنتي زعلتي ؟ أنا ماقصدش أزعلك يا حبيبتي !
فريال بإقتضاب :
-خلاص يا يحيى قولتلك قوم أعمل إللي إنت عايزه أنا مش هقرب منك و لا هضايقك تاني.
يحيى بإسراع و هو يقترب منها ليضمها إلي صدره :
-لأ . أنا مش قصدي أزعلك و الله . يا حبيبتي أنا بضحك معاكي يعني أنا هبقي عايز أخرج في حتة و أسيبك بردو ؟ بس إنتي عارفة إني غايب بقالي فترة و أكيد ورايا شغل متلتل.
تنهدت "فريال" و قالت بهدوء :
-أوك . خلاص يا يحيى.
يحيى بحذر :
-خلاص إيه ؟!
-خلاص مش زعلانة منك.
يحيى و هو يداعب خصلات شعرها :
-و أنا أصلا مقدرش علي زعل حبيبتي . طيب إنتي عارفة بقي إني عاملك مفاجأة ؟
برقت عيناها بحماسة ، فإبتعدت عنه قليلا لتسأله بتلهف :
-مفاجأة إيه يا يحيى مفاجأة إيه ؟؟؟
يحيى بإبتسامة :
-عايزاني أقولك عليها دلوقتي ؟ كده مش هتبقي مفاجأة !
فريال و قد تلاشت إبتسامتها لتقول بغنج و دلال و هي تطوق عنقه بذراعيها :
-أخس عليك يعني هتسيب عقلي يودي و يجيب مع نفسه كده ؟ قول بقي أحسن هزعل منك بجد.
-لأ لأ خلاص هقولك .. صمت قصير ، ثم أعلن "يحيى" :
-الآتيليه إللي كان نفسك فيه !
شهقت "فريال" بعدم تصديق ، ليضحك "يحيى" ثم يمد يده و يفتح درج الطاولة بجانبه ليخرج مفتاحا ذهبيا و يلوح به أمام عينيها المدهوشتين ..
-و أدي المفتاح يا ستي .. قالها "يحيى" بإبتسامة ، و أكمل و هو يربت علي خدها بلطف :
-أكبر آتيليه في إسكندرية كلها عشان فريال هانم . هو أينعم لسا مش جاهز فاضله شوية رتوش كده . بس إنتي كنتي فاكراني نسيت ؟ ده حلمك من زمان . مستحيل أنساه . بس كنت مستني الوقت المناسب عشان أنفذهولك علي أرض الواقع . حاجة مدهشة يا حبيبتي تليق بيكي فعلا.
تراقصت دموع الفرح بعيناها ، فقطعت المسافة القصيرة بينهما و إحتضتنه بشدة ..
فريال بإمتنان و سعادة :
-شكراا . شكرا بجد . إنت أحلي حاجة حصلتلي في حياتي كلها . بحــبــــــــــــــــــــــــــــك يا يحيى . ربنا مايحرمني منك أبدا أبدا أبدا.
يحيى بحب :
-و لا يحرمني منك إنتي كمان يا حبيبتي.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في يخت "عثمان البحيري" ... تستيقظ "سمر" في ساعة متأخرة من النهار و لكنها لا تجد "عثمان" بالجناح كله
لم تبالي بهذا فمن المؤكد أنه قريب منها ، لعله ذهب ليتفقد شيئا ما أو ليتنزه قليلا علي متن يخته الفخم الرائع بعد أن خاب أمله في الليلة الماضية ..
قامت "سمر" من السرير و هي تشعر بدوار شديد
وضعت كفها علي جبتها لتفزعها حرارتها المرتفعة ، بالطبع لابد من هذا
مياه البحر كانت قاسية كالرصاص ، لتدعو الله بألا تصاب بوعكة ثقيلة تجبرها علي المكوث بالفراش لفترة ..
و أخيرا قررت أن تستحم
لعل الماء الفاتر ينعشها و يفصلها قليلا عن الواقع بأفكاره المؤرقة ..
ملأت المغطس ، و وضعت فيه كمية من صابون الحمام الوردي اللون ، ثم إنزلقت بجسدها حتي وصلت الرغوة و الفقاقيع إلي طرف ذقنها
و هنا حاولت أن تريح جسدها و أعصابها
و لكنه كالعادة يحول بينها و بين أي نوع من الإسترخاء و راحة البال ..
-سـمــر ! .. إنتي فين ؟ إنتي في الحمام يا حبيبتي ؟ .. هكذا سمعته ينادي عليها من الخارج بصوت ملحا و مرحا في آن
قامت من مكانها فجأة ، أرادت أن تسرع إلي باب الحمام و توصده
لكنها سمعت صوت خطواته تقترب كثيرا ، فعادت لتخفي جسدها في الماء ..
-مابترديش عليا ليه يا حبيبتي ؟! .. و مع الصوت ظهر "عثمان" عند عتبة الباب
-هو القمر بيطلع الصبح و لا إيه ؟ .. قالها "عثمان" و هو يبتسم بشدة ، و تابع و هو يمشي ناحيتها :
-إيه الجمال و الحلاوة دي يا سمر ؟ ماكنتش أعرف إن شكلك بيبقي حلو أوي كده و إنتي بتاخدي شاور !
تخضبت وجنتاها بالدم ، و قالت بإرتباك :
-شوية و هخلص . لو محتاج الحمام إستني برا دقيقتين بس و هطلع.
عثمان بإبتسامة :
-خدي راحتك يا حبيبتي أنا مش محتاج أي حاجة .. حاليا بس !
تجاهلت جملته الإيحائية الأخيرة ، و قالت :
-شكلك كويس !
عثمان بإستغراب :
-شكلي كويس إزاي يعني ؟!
-يعني . كنت فكراك أخدت برد بسبب إللي حصل إمبارح . أصلي حاسة إني داخلة علي دور برد !
ضحك "عثمان" و قال :
-إنتي شكلك بتؤري عليا يا سمر . عموما ماتقلقيش أنا صحتي زي الفل مابتآثرش بأي حاجة رغم أن ڤولتك كان عالي أوي إمبارح و فجأة إتجننتي و بوظتي الليلة إللي كنت راسم عليها . كل ده عشان قولتلك إن أنا إللي سفرت أخوكي ؟
سمر و قد إنتابها الغضب مجددا :
-من فضلك ماتجبليش السيرة دي تاني . مش كل شوية لازم تخليني إتأكد إنك إنسان جبار و مش سهل.
عثمان و هو يضحك بقوة :
-جبار ! مش للدرجة دي يا سمر أنا بردو غلبان و عندي نقط ضعف و الله.
سمر بسخرية :
-إنت عندك نقط ضعف ؟
عثمان بتفكير :
-في الحقيقة هما مش نقط .. هما نقطتين !
رمقته بغرابة ، فضحك و هبط بجسده جالسا أمامها علي حافة المغطس ..
-أول نقطة الهوس بالجمال .. قالها "عثمان" و هو يتأمل وجهها و كتفيها العاريين ، و أكمل :
-بضعف جدا قدام الجمال . من صغري و أنا كده . كنت لما أشوف أي واحدة جميلة أروح علطول أقولها إنتي جميلة .. أنا بعرف أقدر الجمال كويس أوي يا سمر.
أجفلت بتوتر ، ليضيف بصوت ناعم :
-النقطة التانية بقي . أمي .. بحب أمي أووي . تقدري تقولي إنها الست الوحيدة إللي ممكن تكون جوا قلبي . تعرفي إنك بتفكريني بيها ؟ حقيقي . و عنيها ملونة زيك !
و إزداد معدل الشغف في نظراته و هو يتأملها أكثر ، بينما إنزلقت أكثر في الماء كي تخفي جسدها من عينيه و هي تشعر بالخجل الشديد ..
-ممكن تطلع برا دلوقتي ؟ .. قالتها "سمر" بتوتر و وجهها يشع نارا ، ليضحك "عثمان" بمرح و يرد :
-ليه كده بس يا بيبي ؟ عايزاني أطلع برا ليه ؟ ده بدل ما تعزمي عليا و توسعيلي مكان جنبك ؟ ده أنتي طلعتي بخيلة أوي . مع إني صحيت قبلك و حضرتلك الفطار بنفسي برا . يعني لحد دلوقتي أنا أحسن منك و كريم جدا معاكي.
و رمقها بنظرات خبيثة ، فإنفعلت رغما عنها لسوء أخلاقه معها ، و صرخت فيه :
-قولتلك ميت مرة مابحبش الطريقة دي و قولتلك بردو ماتكلمنيش بالإسلوب ده . إنت مش جايبني من الشارع . بطل قلة أدب !
-أنا قليل الأدب ؟ .. سألها بهدوء شديد و هو يشير بأصبعه إلي نفسه ، ثم إبتسم تلك الإبتسامة الشيطانية و قال :
-طب أنا هوريكي قلة الأدب علي أصولها !
و مد يده داخل المغطس ، ليخرج بعد لحظات بالسدادة المطاطية
إتسعت عيناها بذعر عندما لاحظت منسوب المياه يقل ، و جسدها علي وشك أن يُـكشف له ..
تخشبت بمكانها غير مصدقة و إرتجف فمها بقوة ، عجزت عن التصرف ، لا تدري ماذا تفعل ، و هل يحق لها أن تفعل ؟ أو أن تعترض حتي ؟ .. هي ملكه طالما يروق له ذلك !!
إنهمرت الدموع من عيناها حين إختفت المياه تماما و بقت بعض الفقافيع الخفيفة تداري القليل من أجزاء جسدها
ظلت ترتجف فقط كورقة خريف آيلة للسقوط ، البرودة شديدة بالإضافة لشعور الذل و المهانة ، كمية مشاعر كثيرة متضاربة أخرستها و أخضعتها أمامه في هذه اللحظة ..
-يانهآاار أبيض ! ليه ده كله يا حبيبتي ؟ .. قالها "عثمان" بدهشة حقيقية ، و تابع بخبث :
-زعلانة أوووي كده ليه ؟ ما أنا شوفت كل حاجة قبل كده !
لم ترد و أطبقت جفناها بشدة ، لا تريد رؤيته
لكنها سمعته يواصل كلامه بحدة مصطنعة :
-و عموما إنتي تستاهلي أصلا . علي الليلة إللي ضربتيهالي إمبارح . دلوقتي لازم أخد تاري منك بقي.
و شعرت به و هو يحملها من مكانها ، ثم يقول بلهجة مفعمة بالحماسة الملتهبة :
-تعالي يا حبيبتي . الدنيا برد هنا عليكي . أوضتنا أدفى !
و أخذها إلي الغرفة بسرعة ، و هو يعتزم و بقوة تعويض أحداث الليلة الفائتة ...
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مكان أخر ... تحديدا في شقة راقية بحي شرق الإسكندرية
تتمدد "چيچي" علي هذا السرير الواسع بجوار خطيبها ..
تلقي برأسها علي صدره العاري و تقول بصوت هامس :
-سيف . سيفو .. نفسي في آيس كريم ڤانيليا !
سيف بإستغراب و هو يمسح علي شعرها الحريري :
-آيس كريم ڤانيليا ؟ إشمعنا آيس كريم ڤانيليا يا چيچي ؟!
چيچي بغنج :
-مش عارفة ! بس نفسي رايحاله يا بيبي.
سيف بضحك :
-إوعي تكوني حامل يا حبيبتي . لسا فاضل شهرين علي ما تخلص العدة بتاعتك !
چيچي و هي تلكزه في كتفه :
-إف بقي . قولتلك قبل كده ماتحاولش تفكرني بالزفت ده . عايزاه أنساه خآالص يا سيف و مش عايزة أي حد يفكرني بيه.
-أد كده يا چيچي بتكرهيه ؟
چيچي بغل شديد :
-بكرهه جدا . ده بني آدم Abnormal [ مش طبيعي ] و حيوان . أول واحد أخاف منه في حياتي .. ثم قالت بخوف :
-و إللي مخوفني منه أكتر إنه لسا محتفظ بالـCD بتاعي أنا و إنت . يا عالم ممكن يعمل بيه إيه ؟!
سيف بإستهزاء :
-هيعمل إيه يعني ؟ و لا هيقدر يعمل حاجة.
چيچي بسخرية :
-سيف بليز تسكت . إنت أصلك ماتعرفش عثمان البحيري كويس . ده شيطان . زي التعبان فعلا . جلده ناعم بس لما يلدع سمه يموت و مالوش علاج.
سيف بضيق :
-إنتي مش شايفة إنك بتبالغي شوية يا حبيبتي ؟
چيچي بجدية :
-لأ . Never يا حبيبي مش ببالغ . بس أنا مش هفضل طول عمري عايشة في رعب بسببه .. لازم آمن نفسي منه.
سيف بإهتمام :
-هتعملي إيه ؟؟؟
إبتسمت "چيچي" و هي تقول بشر :
-هعمل حاجات كتييييير . هو صحيح معاه الورق كله .. بس أنا بقي معايا الـJoker !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في الصباح التالي ... ترتدي "سمر" ملابسها و هي تشعر بالتعب و الإنهاك الشديد
يأتي "عثمان" و يراها ، ليقول بإستغراب :
-بتعملي إيه يا بيبي ؟
سمر بنبرة متداخلة الأحرف :
-زي ما إنت شايف . بلبس عشان أمشي . إحنا وصلنا للمرسى و لا لسا ؟
يقترب "عثمان" منها و هو يقول بإبتسامة :
-تمشي إيه بس يا حبيبتي ؟ أنا مش قولتلك إني بعدت أخوكي مخصوص عشان تفضيلي و تقضي معايا وقت أطول ؟ خلينا يومين كمان !
سمر بعصبية منهكة :
-لو سمحت ماضايقنيش أكتر من كده . أنا عايزة أرجع لازم إرجع بيتي دلوقتي.
لاحظ "عثمان" شحوب وجهها و إصفراره
فعقد حاجبيه و هو يحدق فيها بتركيز ، ثم قال بجدية :
-مالك يا سمر ؟ إنتي كويسة ؟!
تمتمت بضيق يغلفه التعب :
-أنا كويسة و هبقي كويسة أكتر لما إمشي من هنا و أرجع بيتي.
مد "عثمان" يده و تحسس جبينها ..
-يانهار إسود ! .. صاح "عثمان" بذعر ، و أكمل :
-إنتي سخنة مولعة . من أمتي ؟ و ماقولتليش ليه ؟
عبست "سمر" و هي تتذكر طوال الليلة الماضية كانت تعاني أعراض الحمى و ترتجف بصمت ، بينما ينام هو بجوارها مستغرقا في عالم أخر ..
-أنا كويسة مافياش حاجة .. قالتها "سمر" بضيق أشد و تابعت :
-روحني بقي.
عثمان بجدية :
-أروحك إيه ؟ أنا هاوديكي للدكتور.
سمر بإنفعال :
-مـش عـايزة أروح لدكاترة عايـزة أروح بـيــتــــــــي !
يتبــــــــع ...
عزلاء امام سطوة ماله
( 33 )
_ سر ! _
في منتصف يوم العمل ... يدخل الأخان "رفعت" و "يحيى" إلي مجموعة شركات العائلة
التي توارثتها الأجيال منذ القدم حتي وقتنا هذا ..
ينهال عليهم الترحيب الشديد و يظهر الموظفين و العاملين تقديرا و إحتراما شديدا في حضرتهم حتي وصلا إلي مكتب رئيس مجلس الإدارة .. "يحيى البحيري"
-حمدلله علي السلامة يا مستر يحيى . الشركة نورت برجوع حضرتك ! .. قالتها السكرتيرة الشابة بإبتسامة رقيقة
بينما يحتل "يحيى" مكانه خلف مكتبه الفخم ، ثم يقول و هو يرد لها الإبتسامة :
-الله يسلمك يا أسما . ها الشغل إيه أخباره ؟
أسما بجدية :
-الشغل ماشي تمام جدا يافندم كل حاجة Excellent .. ثم قالت بشئ من الحرج :
-بس Sorry يعني عثمان بيه مزنق علينا شوية في السوق شركته من يوم ما فتحت تقريبا محتكرة نص العملا بتوعنا !
قهقه "يحيى" عاليا ، ثم قال مزهوا بإبنه :
-هو ده عثمان . أنا كنت عارف إن حاجة زي دي ممكن تحصل .. يلا مش مهم . خليه يشتغل و يبني إسم يخصه دي حاجة تفرحني بردو.
و هنا تدخل "رفعت" بسخرية :
-يعني يبني إسمه و إسمنا إحنا يغرق ياخويا ؟!
ينظر له "يحيى" و يقول بدهشة :
-جرا إيه يا رفعت هو إبني بس إللي بينافسنا ؟ ما في مليون شركة في البلد بتنافسنا بس هو بقي إللي شاطر و فاهم في شغله كويس عشان كده بينجح.
لم يرد "رفعت" و أشاح بنظره عنه و هو يغلي من الغيظ
تنهد "يحيى" بسأم و أمر سكيرتيرته :
-أسما عايز Report ( تقرير ) مفصل بالمدة إللي غيبت فيها عن الشغل . عايزه دلوقتي حالا.
-حاضر يافندم . تؤمرني بحاجة تانية ؟
يحيى بإبتسامة :
-أه طبعا شوفي رفعت بيه يشرب إيه !
رفعت بإبتسامة تهكمية :
-إنت بتعزم عليا في مكاني و لا إيه يا يحيى ؟!
يحيى و قد تلاشت إبتسامته :
-لأ طبعا . إنت هنا زيك زيي يا رفعت !
رمقه "رفعت" بنظرة هادئة و لكنها قاتلة و تحمل غل و حقد شديدين ..
تظاهر "يحيى" بعدم ملاحظته و حمحم قائلا :
-أوك . روحي إنتي يا أسما إعملي إللي قولتلك عليه و إطلبيلي أنا و رفعت بيه إتنين قهوة مظبوطة.
أسما بإبتسامة :
-أوك يافندم !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في سيارة "عثمان البحيري" ... ما زالت "سمر" تلح عليه و تجادله منذ عادا إلي البر قبل قليل
سمر بتعب ممزوج بالضيق :
-مش هينفع توصلني و كمان مش هينفع أخد الشنط و الكراتين دول كلهم .. و أشارت إلي المقعد الخلفي حيث تكدست الأغراض و الملابس التي إشتراهم لها ، و أكملت :
الناس لما يشوفوا كده يقولوا عليا إيه ؟!
عثمان بحدة :
-قولتيلي مش هتروحي للدكتور قلت ماشي لكن تقوليلي مش هاوصلك و مش هتاخدي الحاجات إللي جبتهملك أهو ده بقي إللي مش ماشي.
سمر بضيق شديد :
-إنت ليه مش عايز تفهم ؟ لو حد شافنا مع بعض و شاف الحاجات دي مش هيحصل طيب . إنت كده بتحطني في موقف صعب !
عثمان صائحا بنفاذ صبر :
-خلآااص . إللي تشوفيه .. مش عايزاني أوصلك ؟ أوك !
و ركن سيارته علي جانب الطريق ، ثم أخرج هاتفهه و أجري مكالمة ..
-ألو ! .. إنت فين دلوقتي يا ناجي ؟ .. طيب سيب إللي في إيدك و تعالالي حالا . أنا في محطة الرمل .. ما تتأخرش . سلام.
و أقفل الخط بوجه متجهم و آثر الصمت تماما حتي أتي "ناجي" ..
-تحت أمرك يا باشا ؟ .. قالها "ناجي" بإستفهام ، ليترجل "عثمان" من سيارته و يجيبه :
-إسمع يا ناجي . دلوقتي هتاخد سمر هانم في تاكسي و توصلها لحد بيتها و كمان في شوية حاجات في العربية هتاخدهم و تطلعهم لحد شقتها . فاهمني ؟
ناجي بجدية :
-فاهمك يا باشا . تمام إعتبره حصل.
إلتفت "عثمان" إلي "سمر" ثم هتف بأمر :
-إنزلي !
نزلت "سمر" من السيارة و الدوار لم يفارقها بعد
قبض "عثمان" علي رسغها و أخذها علي مسافة بعيدة قليلا عن ناجي و قال بصلابة :
-ناجي هايوقف تاكسي دلوقتي و هو إللي هايوصلك و كمان هياخد الحاجات و هيطلعهملك لحد الشقة.
كادت "سمر" أن تفتح فمها لتتكلم ، ليقاطعها بصرامة :
-مش عايز و لا كلمة . إللي أقوله يتسمع منغير كلام . و لما تروحي تكلميني فاهمة ؟
عقدت حاجبيها في غضب و لم ترد ، فتأفف بنفاذ صبر ثم أخذها و عاد إلي مكان سيارته
فتح لها باب التاكسي الخلفي الذي أوقفه "ناجي" بينما ذهب الأخير ليحضر الأغراض من سيارة "عثمان " ..
-لو التعب زاد عليكي كلميني علطول و هاجي أخدك للدكتور .. قالها "عثمان" و هو يستند بمرفقيه علي نافذة التاكسي
سمر بإقتضاب :
-إن شاء الله.
-كله تمام يا عثمان بيه ! .. صاح "ناجي" و هو يقف بجانب "عثمان" ، ليستدير له ببطء و يقول بوجوم :
-لما تخلص المشوار إبقي كلمني !
-حاضر يا باشا.
أعطاه "عثمان" بعض النقود ، و شمل "سمر" بنظرة أخيرة
ركب "ناجي" بجوار السائق ، و تحركت سيارة الآجرة ، فوقف "عثمان" يراقبها حتي توارت عن ناظريه ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
عندما وصلت "سمر" إلي بيتها ... حاسب "ناجي" سائق التاكسي ، ثم إلتفت إلي سمر ليسألها
ناجي بإبتسامة :
-شقة حضرتك في الدور الكام يا هانم ؟
أخرجت "سمر" مفتاح شقتها من الحقيبة و أعطته إياه قائلة :
-خد إطلع حطهم قدام باب الشقة من جوا و أنا طالعة وراك علي مهلي . الشقة في الدور الرابع.
-تحت أمر حضرتك !
و أخذ منها المفتاح و حمل العلب و علق الحقائب بيديه ، ثم توجه إلي داخل البيت ..
لحقت به "سمر" متمهلة في خطاها
بينما كان هناك شخصا أخر يتابع ما يحدث بعينين ملؤهما الغضب و الغيرة ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
تمر "سمر" علي الطابق الذي تقطن به الجارة "زينب" ... كانت ستدق بايها لتستلم منها شقيقتها و تشكرها
و لكنها تفاجأت حين وجدت الباب مفتوح بالفعل ، و السيدة "زينب" تقف علي عتبته و الوجوم يتسيد قسمات وجهها ..
-ماما زينب ! إيه إللي موقفك كده ؟ .. تساءلت "سمر" بإستغراب و هي تقترب من جارتها
زينب بنيرة حادة :
-مين إللي شوفته طالع شقتكوا ده يا سمر ؟؟؟
ينزل "ناجي" في هذه اللحظة و يعيد مفتاح الشقة إلي "سمر" ..
-تؤمريني بحاجة تانية حضرتك ؟ .. تساءل "ناجي" بتهذيب
سمر و قد زاد شعورها بالإعياء و التوتر فجأة :
-لا شكرا . إتفضل إمشي إنت.
ينسحب "ناجي" في هدوء ، لتعيد "زينب" سؤالها بحدة أكثر :
-ما تجاوبيني يا سمر . ردي و قوليلي إللي بيحصل بالظبط !!
كانت رؤية "سمر" تنعدم في هذه الأثناء ... إزداد شحوب وجهها و زاغت عيناها قبل أن تطبق جفناها و تسقط مغشيا عليها
-يا لـهـوي ! إسم الله عليكي يابنتي .. هكذا صاحت "زينب" بهلع و جثت علي ركبتيها بجوار "سمر"
حاولت أن تجعلها تفيق ، خبطت علي خديها ، مسدت علي يدها دون جدوي ..
لم تجد حلا أخر فنادت بأعلي صوتها :
-يا شــهــــــــــــــــيــــرة . شــهــــــــــــــــيــــرة . يا شــهــــــــــــــــيــــرة !
من الشقة المقابلة ، تخرج سيدة في العقد الثالث من عمرها
تري ما يحدث أمام شقة صاحبة البيت ، لتجحظ عيناها و تركض صوبها و هي تهتف بذعر :
-أبلة زيــنب ! خيــر يا أبلة ؟ إيه إللي حصل ؟؟؟
زينب و هي تنظر إلي "سمر" بخوف :
-البت سمر كانت واقفة بتتكلم معايا و فجأة وقعت من طولها !
شهيرة بقلق :
-ليه كده كفا الله الشر ؟ طيب يا أبلة زينب أنا هنزل أنده للأستاذ سامي الصيدلي يجي يشوفها.
-ماشي يابنتي بس بسرعة الله يخليكي قلبي واكلني عالبت يا تري فيها إيه ؟!
-حاضر حاضر يا أبلة زينب هروح بسرعة أهو !
و ركضت "شهيرة" لداخل شقتها ، ثم خرجت مرة أخري و قد إرتدت إسدالها و بأقصي سرعة هبطت الدرج ..
بينما أمسكت "زينب" بحقيبة "سمر" و فتحتها لتبحث عن قنينة عطر أو أي شئ يساعدها لتخرج "سمر" من إغماءتها
كانت الحقيبة شبه فارغة إلا من حزمة نقود قليلة و أچندة أوراق صغيرة
و من بينهم سقطت ورقة من الحقيبة إلي الأرض ، كانت "زينب" ستعيدها لولا أنها لمحت توقيع "سمر" و بجانبه "توقيع شخصا أخر ..
و بفضول غريب فتحت "زينب" الورقة و قرأت الآتي ؛
( إنه في اليوم الموافق 26 /12 / 2017 تحريرا بين كلا من :
أولا السيد / عثمان يحيى صالح البحيري المقيم في " ......."
مسلم الديانة
مصري الجنسية
_زوج طرف أول _
ثانيا السيدة / سمر شريف عبدالله حفظي
_ زوجة طرف ثاني _
بعد أن أقر الطرفان أهليتهما للتعاقد و التصرف و خلوهما من كافة الموانع الشرعية و أمام الشهود المذكورين بهذا العقد إتفقنا علي ما يلي :
البند الأول / يقر الطرف الأول بعد إيجاب و قبول صريحين بأنه قد قبل الزواج من الطرف الثاني زوجة شرعية علي كتاب الله و سنة رسوله ( ص ) و عملا بأحكام الشرعية الإسلامية
كما تقر الطرف الثاني بعد إيجاب و قبول صريحين بأنها قد قبلت الزواج من الطرف الأول.
البند الثاني / تقر الطرف الثاني بأنها قد قبلت الزواج برضا تام وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
البند الثالث / إتفق الطرفان علي صداق قدره " .... " كما إتفق كليهما علي قبول جميع أحكام العقد و خاصة البنوة إذ أن أولادهما ثمرة هذا الزواج لهما جميع الحقوق الشرعية.
البند الرابع / تحرر هذا العقد من نسختين بيد كل طرف للعمل بها عند اللزوم طبقا لأحكام القانون الوضعي بجمهورية مصر العربية )
توقيع الطرف الأول / عثمان البحيري
توقيع الطرف الثاني / سمر حفظي
توقيع الشهود المذكورين :
- .......................
- .......................
إنتهت "زينب" من قراءة العقد حابسة أنفاسها ..
زينب بصدمة كـبيـــــرة :
-يانهار إسود !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عندما وصل "عثمان" إلي القصر ... ذهب إلي جناحه مباشرة و هو يحرص علي ألا يراه أحد
فتح الباب و ولج ، و كاد يهم بنزع سترته حين دق هاتفهه
أجاب ..
-ألو ! إيه يا ناجي . خلصت ؟
ناجي و صوته محاطا بزحمة الشوارع :
-أيوه يا عثمان بيه . كله تمام حضرتك.
عثمان مقطبا بإنزعاج من هذه الأصوات :
-عملت إللي قولتلك عليه يعني ؟ و صلت الهانم و طلعت الحاجات لحد شقتها ؟؟؟
-أيوه يا باشا . كل إللي حضرتك قولته حصل.
-أوك . شكرا يا ناجي.
-العفو يا باشا . تحت أمرك في أي وقت !
و أغلق الخط معه ... أراد "عثمان" أن يتصل بـ"سمر" بعد ذلك
لكنه شعر بحاجة شديدة لحمام ساخن الآن ، فترك هاتفهه و توجه إلي المرحاض بخطوات متكاسلة ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في شقة الجارة "زينب" ... تتمدد "سمر" علي الآريكة بعد أن ساعدها الطبيب الصيدلي علي إستعادة وعيها
سمر مبتسمة بتعب :
-أنا متشكرة أوي يا ماما زينب . شكرا ليكوا كلكوا يا جماعة.
الطبيب بإبتسامة :
-بتشكرينا علي إيه يا أنسة يا سمر ؟ إنتي بنت الحجة زينب و أخت الست شهيرة و أختي أنا كمان يعني مافيش شكر بينا . عموما حمدلله علي سلامتك.
زينب بلهجة مقتضبة :
-هي كان فيها إيه يا سامي يابني ؟
سامي بلهجة مطمئِنة :
-إطمني يا حجة زينب مافيهاش حاجة . هي واخدة دور يرد شديد بس و بعدين الأنيميا إللي عندها من زمان دي بتسهل للمرض أنه يدخل جسمها بسرعة.
شهيرة بتساؤل :
-طيب إيه الحل يا دكتور سامي ؟
-الحل إنها تاخد علاجها و تتغدي كويس . و أنا عن نفسي هنزل و هبعتلها الدوا من عندي علطول.
سمر بإمتنان :
-شكرا يا دكتور يا سامي.
رحل "سامي" و من بعده بلحظات إستأذنت "شهيرة" لتذهب و تتفقد أطفالها ..
و الآن إنفردت "زينب" بـ"سمر"
سمر بصوت متحشرج قليلا :
-أومال فين ملك يا ماما زينب ؟ أنا مش شايفاها !
و أخذت تتلفت حولها ..
زينب بجمود :
-ملك نايمة جوا في الأوضة .. ثم سألتها بحدة :
-أومال إنتي كنتي فين اليومين إللي فاتوا دول يا سمر ؟؟؟
أجفلت "سمر" بتوتر ، و قالت :
-ما أنا قولتلك يا ماما زينب !
زينب بإستهجان :
-معلش قوليلي تاني.
سمر و هي تزدرد ريقها بإرتباك :
-كـ كنت . كنت عند صاحبتَ آا ..
-ماتكدبيش ! .. قاطعتها "زينب" بغضب ، و أخرجت من خلف ظهرها عقد الزواج العرفي و لوحت به أمام عينيها المصعوقتين ..
زينب بإنفعال :
-إيه ده يا سمر ؟ .. ها ! إيه ده فهميني ؟ إتكلمي قوليلي إن في حاجة غلط أنا مش فاهماها !!
نظرت لها "سمر" بخزي ممزوج بالقهر و لم ترد ، أطرقت رأسها و أخذت تنتحب بحرقة ..
زينب بصدمة :
-لأ .. لأ الكلام ده مش صحيح . مستحيل أصدق . ده إنتي سمر بنت كريمة الله يرحمها صاحبتي و جارتي و عشرة عمري . ده أنا مربياكي علي إيدي و أخلاقك أنا إللي علمتهالك !
-أنا ماعملتش حاجة غلط ! .. غمغمت "سمر" بصعوبة من وسط بكائها الحار ، لترد الأخيرة بصدمة مضاعفة مع زيادة تأكدها من الأمر :
-متجوزة عرفي يا سمر ؟ لأ .. لأ مش قادرة أصدق .. إنتي ! لــيــــــــــــــه ؟؟؟
و هنا رفعت "سمر" وجهها الغارق بالدموع و أجابت بنشيج مخنوق :
-عشان إخواتي . عشان ملك في الأول . كانت هتموت و أنا مش ممكن أسمح بكده .الفلوس كانت هي المشكلة . علاجها بفلوس أكلها بفلوس و المستشفي بفلوس و هو معاه الفلوس . أنا ضحيت بنفسي و عارفة إن حياتي إتدمرت و مستقبلي راح . كل ده عشان أختي أولا و بعد كده فادي . أنا مقدرش أشوف ملك بتموت يا ماما زينب و لو حصلها حاجة أنا كمان هروح فيها !
زينب بإستنكار و عصبية :
-تقومي تبيعي نفسك ؟ تسلمي نفسك لواحد في الحرام ؟؟؟
سمر وقد أرعبتها الكلمة :
-لأ . لأ لأ يا ماما زينب أنا ماعملتش حاجة في الحرام . أنا متجوزة و العقد أهو في إيدك.
زينب بسخرية :
-و هو العقد ده يحلل إللي حصل ؟ ده عقد باطل يا حبيبتي . يمكن في نظر القانون مش باطل لكن في نظر ربنا و الناس بآاااطل و أي حاجة حصلت بينك و بين إللي إتجوزتيه حرام . عشتك معاه زنا . زنا يا سمر فاهمة يعني إيه ؟؟؟
سمر و هي تهز رأسها بصدمة شديدة :
-لأ .. مش ممكن !
و هنا دق هاتفهها ..
لم تتحرك من مكانها قيد أنملة ... فتطوعت "زينب" و أحضرته لها من الحقيبة
لكنها نظرت إلي إسم المتصل أولا ..
زينب بغضب :
-عثمان البحيري .. بسلامته بيتصل !!!!!
يتبـــــع ...
عزلاء امام سطوة ماله
( 34 )
_ إتفاق ! _
تنتفض "سمر" في هذه اللحظة و تقوم من مكانها بسرعة ... تقف أمام "زينب" محاولة أخذ الهاتف من يدها
سمر برجاء و دموعها تتراقص بعيناها :
-لأ يا ماما زينب . ماترديش إنتي عليه أبوس إيدك !
زينب بغضب :
-و مش عايزاني أرد عليه ليه ؟ خليكي إنتي برا الموضوع و سيبهولي أنا هتصرف معاه.
سمر بإنهيار تام :
-لأ كده الموضوع هيكبر . إنتي ماتعرفيش ده مين ماينفعش أي حد يعرف إللي حصل بيني و بينه أنا الوحيدة إللي هضر . عشان خاطري يا ماما زينب.
زينب بإنفعال :
-يعني هتسيبي نفسك كده ؟ هتكملي في سكة الحرام دي معاه ؟؟؟
سمر بنفي :
-لأ خلاص . أوعدك إني هقطع علاقتي بيه قريب . هسيبه !
و هنا إنقطع الرنين المتواصل ، لستوضحها "زينب" بحدة :
-و لو مقدرتيش ؟
سمر بثقة :
-مش هنتقابل لوحدنا تاني . مش هخليه يقربلي تاني أوعدك.
تنهدت "زينب" بحيرة و قالت بغيظ :
-طيب و إللي عمله فيكي ؟ هينفد كده منغير حساب ؟ ليه كده يابنتي ؟ ليه تعملي في نفسك كده يا سمر ؟ ليه تضيعي مستقبلك بإيدك ؟؟؟
سمر بنبرة متألمة :
-نصيبي كده يا ماما زينب.
زينب بحنق :
-لأ ده مش نصيبك . إنتي إللي إخترتي بإرادتك ربنا مابيعملش حاجة وحشة في حد.
تقلص وجه "سمر" بألم أشد و تدفقت من عينيها الدموع ..
حزنت "زينب" علي حالتها و رق قلبها أخيرا ، فأخذتها بين ذراعيها و ضمتها بعاطفة أمومية ..
زينب بلطف وهي تمسد علي ظهرها :
-خلاص يابنتي . خلاص .. أنا عارفة إن مافيش أنضف منك في الدنيا و عارفة إن أختك هي نقطة ضعفك و هي إللي خلتك ترمي روحك في النار منغير ما تفكري . بس يا سمر إيمانك بربنا كان لازم يبقي أقوي من كده . مافكرتيش إنك عالجتي أختك بفلوس حرام ؟ مافكرتيش إن ربنا مابيتعاندش و كان ممكن يحرمك منها عشان روحتي و لجأتي لعبده مش له ؟ لو لا قدر الله كان حصلها حاجة كنتي هتبقي كسبتي إيه ؟ بالعكس ده إنتي كنتي هتبقي خسرتي كل حاجة و قبل منهم نفسك.
سمر و قد إزداد بكائها حرارة :
-أنا عارفة كل ده . بس غصب عني . ماكنتش قادرة أشوف ملك بتعاني أكتر من كده . أنا كنت متكتفة شايفاها قدامي بتموت و مش عارفة أعملها حاجة !
زينب بتأثر :
-طيب خلاص . إللي حصل حصل مش هنقعد نندب حظنا علي إللي راح و مش هيرجع . أنا مش هسيبك يا سمر و هقف جمبك و هنصلح كل ده ماتقلقيش ربنا معانا إن شاء الله .. و تبدلت نبرتها لتصبح أكثر صرامة :
-بس من هنا و رايح لازم تعرفيني كل حاجة و خصوصا كل حاجة بتحصل بينك و بين إللي مايتسمي ده !
-حاضر .. تمتمت "سمر" بتعب و هي ما زالت في حضنها ، لتسألها "زينب" بجمود :
-قولتيلي بسلامته معاه فلوس ! يعني غني ؟
سمر بمرارة :
-غني . غني جدا يا ماما زينب.
زينب بإستهجان :
-الله الغني يا حبيبتي .. ثم قالت بوعيد :
-خليه بس يفكر يأذيكي أو يستغلك تاني . بعون الله أنا إللي هقفله !
و هنا دق الهاتف مرة أخري ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... مرارا يعاود "عثمان" الإتصال بـ"سمر" و لكن لا يوجد رد
شعر بالغضب الشديد و إعتبر ذلك تحد صريح منها ، فهو أكد عليها بأن تدق له ما أن تصل و لكنها لم تفعل و لم ترد عليه حتي ..
-ممكن أدخل !
إنتبه "عثمان" علي صوت أمه و تفاجأ بها تقف عند عتبة باب غرفته ..
-ماما ! إتفضلي طبعا .. قالها "عثمان" مبتهجا برؤية أمه ، لتدخل الأخيرة و تمشي ناحيته بخطواتها المتمايلة
جلست بجواره علي طرف السرير و مدت يدها و مسحت علي شعره المبتل ..
فريال برقتها المعهودة :
-قاعد بالبُرنس كده ليه ؟ و شعرك مبلول . كده تبرد يا حبيبي !
عثمان بإبتسامة :
-لسا خارج من الحمام . كنت قايم ألبس هدومي . سيبك مني دلوقتي بس . إنتي كنتي جاية عايزاني في حاجة ؟
فريال و هي ترد له الإبتسامة :
-كنت جاية أشوفك . وحشتني و بقالي كام يوم مش بلمحك في البيت .. كنت غطسان فين ؟؟؟
ضحك "عثمان" و قال :
-من إمتي يا فريال هانم بتستجوبيني كده ؟!
فريال و هي تداعب لحيته الكثيفة :
-مش من حقي يعني ؟ أنا أمك.
-من حقك طبعا و بعدين إنتي مش بس أمي إنتي ست الكل .. و إنحني ليقبل يدها
فريال بضحك :
-أه منك و من بكشك إللي هيجنني ده . تصدق إن البكش ده هو إللي بيشفعلك عندي !
عثمان بدهشة :
-ليه بس أنا كنت عملت إيه أصلا ؟!
فريال بمزاح :
-يا حبيبي إنت عمايلك كلها سودة و الحمدلله .. و تلاشت إبتسامتها فجأة لتقول :
-بس الفترة الأخيرة إتغيرت أووي يا عثمان . ممكن أقول إنك إتغيرت مع كل الناس لكن معايا أنا زي ما إنت !
عثمان بإستغراب :
-إيه الألغاز دي ؟!
فريال بجدية :
-دي مش ألغاز . أنا أكتر واحدة في الدنيا تعرفك . أكتر واحدة تحس بيك . إنت متغير بس أنا بقي خايفة يكون التغيير ده للأسوأ مش للأحسن.
عثمان بحيرة :
-أنا فعلا مش فاهم إنتي تقصدي إيه ! بس What Ever يعني إطمني . أنا تمام و ماعنديش أي مشكلة بالعكس حياتي هادية و شغلي مستقر .. ماتقلقيش.
فريال بإبتسامة :
-يا ريت يا حبيبي i Hope So بجد .. ثم قالت بشئ من التردد :
-كنت عايزة أكلمك في موضوع تاني !
عثمان بإهتمام :
-خير يا ماما ؟
-هالة !
عثمان و قد أصابه الفتور فجأة :
-مالها هالة ؟
-إنت مش واخد بالك إنها بقت إنطوائية أوي اليومين دول ؟!
عثمان بسأم :
-طب و أنا مالي يعني بتقوليلي الكلام ده ليه ؟؟؟
فريال بإنزعاج من إسلوبه :
-ممكن تهدا شوية و ماتبقاش Aggressive ( عدائي ) في الكلام كده ؟!
يهدئ "عثمان" نفسه ، ثم يقول :
-أنا آسف . بس حقيقي أنا مش عارف إيه علاقتي بحاجة زي دي !!
فريال بلطف :
-عثمان . البنت بتحبك و إنت عارف كده إوعي تقولي إنك مش واخد بالك.
عثمان بضيق :
-واخد بالي يا ماما بس أنا بقي مش بحبها و مش عايزها.
-ليه بس ؟ دي هالة بنت حلوة و ذكية و فوق ده كله بنت عمك يعني مش غريبة مش زي الأولانية إللي آا ..
و بترت عبارتها فجأة قبل أن تأتي تماما علي ذكر "چيچي" ..
-Sorry يا حبيبي . ماكنش قصدي !
عثمان بوجوم :
-و لا يهمك يا ماما.
-أنا قصدي يعني إن هالة بتحبك و إحنا مربينها و عارفينها مش هتلاقي أحسن منها يا عثمان صدقني و البنت بجد حلوة إيه إللي مش عجبك فيها بس ؟؟؟
عثمان بضيق شديد :
-حلوة و كل حاجة و هي علي راسي و الله . بس أنا مش بحبها و لو إتجوزتها مش هنكون علي وفاق مع بعض و مش هتكون مبسوطة معايا و لا أنا كمان.
تنهدت "فريال" و قالت :
-يعني مافيش فايدة ؟ يابني عايزه أفرح بيك و أشوف ولادك !
عثمان بضحك :
-لأ كده يدينا و يديكي طولة العمر بقي !
ضربته أمه في صدره بخفة قائلة :
-أخس عليك . مستكتر عليا حاجة زي دي يعني ؟
عثمان بجدية :
-إنتي مافيش حاجة في الدنيا تكتر عليكي يا فريال هانم . بس مش وقته . أنا لسا مش جاهز للخطوة دي.
فريال بإستسلام :
-إللي إنت شايفه . ربنا يوفقك يا حبيبي و يريح قلبك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل "سمر" ... تفتح باب شقتها و تدخل حاملة "ملك" علي ذراعها
تزقزق "ملك" بفرحة لوجودها مع شقيقتها ، فتبتسم "سمر" رغم كل شئ و تتفاعل معها
تؤرجحها بين ذراعيها ، تدغدغها أسفل ذقنها ، لتزداد موجات ضحكاتها الرنانة ..
و فجأة تتعثر "سمر" دون وعي في كدسة الحقائب و العلب بالطرقة ، تعبس بضيق و في نفس اللحظة تسمع هاتفهها و هو يدق للمرة السابعة تقريبا ..
ردت علي مضض :
-آلو !
يأتيها صوت "عثمان" غاضبا :
-لا و الله ؟ ألو ! ماكلمتنيش ليه زي ما قولتلك يا هانم ؟ و ماردتيش عليا ليه من أول مرة ؟؟؟
سمر ببرود :
-كنت مشغولة مع ملك . خير في حاجة ؟
عثمان بغيظ :
-سيادتك عاملة إيه دلوقتي ؟ لسا تعبانة ؟!
سمر بصلابة :
-لأ . أنا بقيت كويسة الحمدلله . بس آسفة مش هقدر أجي الشغل بكره.
-ليه بقي ؟
-ورايا حاجات في البيت و كمان عشان أكون بقيت أحسن أكتر !
عثمان بصبر :
-أوك . عندك بكره أجازة . لما أشوف أخرتها معاكي يا سمر.
سمر بعدم إهتمام :
-أخرتها خير إن شاء الله . إستأذنك دلوقتي بقي مضطرة أقفل عشان ملك جعانة هحضرلها الأكل.
و أقفلت دون أن تسمع رده ..
هذا السلوك حتما لن يعجبه ، و مؤكد أنه يشتعل من الغضب الآن و يفكر في شئ ليرد به عما فعلته
لكنها ما عادت تكترث ...
-لأ بردو .. تمتمت "سمر" بحيرة ، و أكملت بخوف :
-ماكنش لازم أرد كده . أنا عايزه أنهي الموضوع بسرعة و هدوء .. منغير مشاكل !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
يمر يومان ... و في صباح الخميس ، يصل "فادي" من سفره ليقضي عطلة نهاية الأسبوع مع أسرته
بدا عليه الهزل قليلا ، و بشرته غدت برونزية صافية و قد لوحتها الشمس ، و قوامه صار منحوتا بصورة واضحة
لم تصدق "سمر" أن يحدث له كل هذا في إسبوع فقط ..
-إيه يابني إللي جرالك ده ؟ .. قالتها "سمر" بتساؤل ، و تابعت بدهشة :
-معقول إسبوع واحد يبهدلك كده ؟؟؟
فادي بضحك و هو يتناول منها "ملك" :
-مش بشتغل و بشقي يا سمر ؟ و طول النهار في الموقع و الشمس عمودية هناك !
-بس بردو إتبهدلت أووي .. ثم قالت بإبتسامة :
-عموما حمدلله علي السلامة.
-الله يسلمك ياستي . رغم إني هتجنن من حكاية شعرك المقصوص ده ! ليه تعملي كده يا سمر ؟ إنتي أكيد أتهبلتي !!
سمر بشئ من الإرتباك :
-قولتلك حبيت أعمل تغيير يا فادي.
-لا يا شيخة ؟ تغيير تقومي تقصي شعرك إللي بنات المنطقة كلهم بيحسدوكي عليه ؟؟؟
سمر بضيق :
-خلاص بقي ما بكره هيطول تاني.
فادي بسخرية :
-إبقي قابليني .. ثم قال بإعجاب :
-بس إيه الشياكة دي كلها ؟ شكلك قبضتي و نزلتي شبرقتي نفسك لبس و حركات . أيووه ياستي ماشية معاكي.
سمر بمرارة خفية :
-ياخويا و الله لا ماشية و لا قاعدة . إنت بس عارف الشغل إللي أنا فيه بيعتمد علي المظاهر أكتر حاجة فكان لازم أحسن مظهري شوية .. بس إنت إيه رأيك يعني ؟ شكلي حلو ؟!
فادي بإبتسامة عريضة :
-قــمــــــر . الفستان هياكل منك حتة يا سمسمة.
سمر و قد توردت وجنتاها كلون فستانها :
-شكرا يا حبيبي .. طيب أنا لازم أنزل دلوقتي بقي . مش هتأخر هرجع بسرعة عشان أحضرلك الغدا.
فادي بلطف :
-علي مهلك يا حبيبتي . ماتستعجليش .. يلا مع السلامة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
عندما وصلت "سمر" إلي الشركة ... ذهبت فورا إلي "عثمان" حيث بلغها الجميع أنه يريدها ما أن تصل
طرقت باب مكتبه مرتين ، ثم دلفت ..كان منكبا علي بعض الأوراق و الملفات و كان يرتدي نظارته الطبية الأنيقة و التي يستخدمها في الحالات الطارئة فقط ، كالصداع و الأرق الزائد ..
-صباح الخير ! .. قالتها "سمر" و هي ماثلة أمامه ، ليرفع وجهه بهدوء و ينظر لها
إستطاعت أن تري بوضوح شفتاه المفتوحتان و نظراته الساهمة ، بينما سرح هو في تأملها و هي ترتدي ذلك الثوب الذي أختاره لها بنفسه ..
فستان وردي اللون من القماش الثقيل ، مجسم عند النصف العلوي بأكمام طويلة و رباط علي الخصر فعكس نفخة عصرية إكتملت بالإكسسوارات البسيطة التي وضعتها و أيضا هذه الحقيبة الصغيرة جدا التي علقتها علي كتفها ..
حمحمت "سمر" لتخرجه من تأملاته
يجفل "عثمان" ثم يخلع نظارته ..
-حمدلله علي السلامة ! .. قالها "عثمان" بصوت أجش و هو يرسم علي وجهه تعابيره الصارمة
سمر بهدوء :
-الله يسلمك.
-إن شاالله تكوني بخير ! إزي صحتك دلوقتي ؟
سمر بإبتسامة متكلفة :
-الحمدلله . كويسة .. ثم قالت :
-قالولي إن حضرتك عاوزني !
تنفس "عثمان" بعمق ، و قال :
-إنهاردة ماليش مزاج للشغل و حاسس إني مرهق أوي . فكنت مستنيكي لما توصلي عشان أخدك و نروح الشقة إللي جبتها نقضي هناك طول النهار و أهو بالمرة تشوفيها.
سمر ببلاهة :
-شقة إيه ؟!
عثمان بتهكم :
-شقة يعني شقة يا حبيبتي إشترتها لينا . إنتي هتشوفيها و لو ماعجبتكيش هخليكي تختاري واحدة غيرها علي مزاجك.
أجفلت "سمر" بتوتر و ردت :
-أنا .. أنا مش . أنا مش هروح معاك في حتة !
عقد "عثمان" حاجبيه و إستوضحها :
-آسف قولتي إيه ؟!
سمر بإرتباك :
-قصدي مش فاضية إنهاردة . فادي لسا راجع و قاعد معانا يومين.
زفر "عثمان" بقوة و قال بحنق :
-يعني لو غيبتي ساعتين هيفرقوا أوي عند أخوكي ؟!
سمر بإبتسامة تهكمية :
-أه للآسف !
و هنا إنفتح الباب فجأة ... فإلتفتت "سمر"
لتري الزائر المعتاد لهذا المكتب و الذي لا يجرؤ أحد غيره علي الدخول بهذه متابعتي
عزلاء أمام سطوة ماله
( 35 )
_ غيرة ! _
يلج "مراد" إلي المكتب و علي وجهه إبتسامة مشرقة ... تختفي الإبتسامة فورا
عندما وقعت عيناه علي "سمر"
ظل متسمرا بمكانه لدقيقة كاملة ... أفقده سحرها رشده ، بينما وقفت "سمر" مطرقة في خجل .. إلي أن حمحم "عثمان" بخشونة ..
مراد بتلعثم :
-آا . صباح الخير !
-صباح النور .. قالها "عثمان" بإقتضاب و هو ينظر له بغضب
مراد بإبتسامة و عيناه ما زالتا تقيسان "سمر" من أعلي إلي أسفل ببطء :
-أنا قلت أجي أبص عليك . بقالي يومين ماشوفتكش !
عثمان و هو يحاول بصعوبة الإمساك بغضبه :
-طيب إدخل واقف كده ليه ؟ .. و إنتي يا سمر إتفضلي علي مكتبك دلوقتي.
لبت "سمر" أمره و خرجت ، ليغمض "مراد" عيناه مبتسما حينما مرت هي بمحاذاته ..
-الله علي البيرفيوم إللي حاطاه .. قالها "مراد" بهيام ، ثم فتح عيناه و أكمل بذهول :
-Chanel Number 3 ! .. سمر بتحط من مجموعات شانيل ؟ و بعدين هي دي أصلا سمر السكيرتيرة بتاعتك ؟؟؟
زفر "عثمان" غاضبا و قال :
-إدخل يا مراد . أساسا إيه إللي جابك هنا ؟!
مراد و يمشي صوب مكتبه ليجلس أمامه :
-إيه ياعم المقابلة الناشفة دي ؟ ده بدل ما تقولي منور يا صاحبي . خطوة عزيزة . أي حاجة من الحاجات اللطيفة دي !
عثمان بنظرات حادة :
-إنجز يا مراد أنا مش فاضيلك . جاي في إيه ؟
مراد و هو يخطف تحفة خزفية من فوق المكتب و يقلبها بين راحتيه :
-مش جاي في حاجة مهمة . كنت جاي أخد رأيك في موضوع بس.
عثمان بإهتمام :
-خير موضوع إيه ؟
إنتظر "مراد" قليلا .. ثم قال :
-أبويا قدملي عرض إمبارح . هو من ناحية حلو و من ناحية أنا مش مستريح .. حقيقي محتار . مش عارف إتصرف إزاي !!
-طيب إيه هو العرض ؟؟
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... يقفز "يحيى" من فراشه واقفا و قد غدت ملامحه كلها خطيرة فجأة
يحيى و هو يصيح زاعقا في هاتفهه :
-يعني إيه كل حاجة إتلغت ؟ .. يعني إيه المندوب ماجاش ؟ نعم ؟ المخازن مليانة إزاي ؟ أومال أنا كنت سافرت ليه ؟ .. في عقود ممضية . مين إللي ورا الموضوع ؟؟؟ .. إستحالت ملامحه إلي الصدمة الشديدة عند سماعه الإجابة
-إنتي متأكدة يا أسما ؟ .. تساءل "يحيى" بعدم تصديق ، لتؤكد له سكيرتيرته الخاصة التصريح للمرة الثانية
إشتد عضلات فكيه و هو يطبق أسنانه بغضب شديد ..
أغلق الخط و توجه نحو باب الغرفة تتبعه "فريال" و هي تسأله بقلق :
-في إيه يا يحيى ؟ .. إيه إللي حصل ؟ .. طيب رايح فين بس ؟؟؟
-إبعدي عني يا فريال من فضلك ! .. قالها "يحيى" بإنفعال و إتخذ طريقه صوب غرفة أخيه
يحيى بهتاف عنيف و أعصابه قد وصلت بالفعل إلي درجة الغليان :
-رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت . رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت . رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت.
يخرج "رفعت" من غرفته بهدوء شديد بعكس حالة أي شخص قد يكون مكانه في هذه اللحظة ..
-في إيه يا يحيى ؟ بتزعق كده ليه ؟! .. تساءل "رفعت" ببرود مستفز
يحيى مزمجرا بشراسة :
-صحيح إللي أنا سمعته ده ؟؟؟
-إيه إللي إنت سمعته ؟
-إنت إللي بعت للعملا بتوعنا في لندن و قولتلهم الصفقة إنتهت ؟؟؟
-أه فعلا . حصل .. إعترف "رفعت" ببرودة أعصاب عجيبة ، لينفجر "يحيى" بغضب مستعر :
-لـــيــــــــــــه ؟ لــيــــه تعمل كده ؟ بتتصرف من دماغك منغير ما ترجعلي ؟ بتلغي صفقة بملايين منغير ما تاخد رأيي ؟ عملت كده لـــيــــــــــــه ؟؟؟
رفعت بحدة :
-يا ريت تتكلم معايا بإسلوب كويس يا يحيى . ماتنساش إني أخوك الكبير.
-أخويا الكبير المفروض يبقي هو العاقل إللي بيخاف علي مصلحة أخوه الصغير . ليه ؟ ليه بتحاول دايما تبوظلي شغلي ؟ ده جزائي ؟ ده جزائي إني ماحبتش أبعدك عني و عملتلك مكان في الشركة ؟؟!!
رفعت بغضب :
-دي مش شركتك لوحدك . إنت ناسي إنها ورث أبونا ؟؟
و هنا إجتمع كل من بالمنزل علي صوت هذا الشجار الناري ..
بينما قال "يحيى" بتهكم فظ :
-لأ و الله شكلك إنت إللي ناسي إن أبويا الله يرحمه كتبهالي بعد ما سيادتك فضلت تاخد نصيبك منها و تسافر بس أنا بقي إللي طلعت غبي لما رجعتك و كتبتلك ربع الأسهم فيها بعد ما ضيعت كل فلوسك .. ثم تابع بندم ممزوج بالحزن :
-كنت فاكرك إتعدلت و هتقف جمبي . كنت فاكرك فعلا أخويا الكبير إللي هيحميني و هيخاف علي مصلحتي . ماحسبتهاش صح بس قلت إحنا إخوات و مالناش إلا بعض ماينفعش نبعد ماينفعش نتفرق ماينفعش حد فينا يسيب إيد التاني . إستحملت منك كتير علي أمل إنك في يوم هتتغير . بس للآسف إنت زي ما إنت . غرورك و حقدك خلوك أعمي ممكن تدوس علي أي حد حتي لو كان أخوك !
صمت "رفعت" و ظل يحدجه بنظرات محتقنة فقط ..
يحيى بلهجة صارمة :
-أنا مش هقدر أقولك إمشي من البيت ده لإنه للآسف بيتك زي ما هو بيتي . بس لما أرجع من السفر هطلعك من شركتي و هسحب منك كل الأسهم . خلاص .. الثقة بينا بقت معدومة و أنا إستحالة آمنلك تاني يا . ياخويا.
و تركه و عاد إلي غرفته تلحق به زوجته
بينما وقفت كل من "هالة" و "صفية" و عائلة "مراد" مصعوقين مما حدث ، و لم يجرؤ أحدهم علي فتح فمه و الإستفسار أبدا ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عند "عثمان" ... فرغ "مراد" من شرح مشكلته لصديقه و بقي منصتا لما سيقوله له
عثمان بجدية :
-شوف هو العرض كويس جدا و مسألة إنك هنا مرتاح و مش عايز تسافر تاني دي أنا شايفها سخيفة جدا . فيها لما تروح تأسس المشروع إللي إقترحه أبوك و توسعه لحد ما تمده هنا ؟ وقتها هتقدر ترجع تاني زي ما إنت عايز . إنما حوار العواطف في الشغل ده مايأكلش عيش يا مراد لازم تتنصح شوية و لا هتفضل طول عمرك أهبل ؟!
مراد بإنزعاج :
-ما تبطل قلة أدب بقي ياعم و لم لسانك .. ثم قال بجدية مماثلة :
-طيب إنت شايف كده يعني ؟ أصل أنا بيعجبني تفكيرك بصراحة !
-أنا مش شايف غير كده . إنت لحد دلوقتي ماعملتش حاجة و مقضيها بطول و العرض . آن الأوان تتكن في حتة معينة بقي و تشوف مستقبلك كفاياك كده.
أومأ "مراد" بتفهم و قال :
-أوك . خلاص علي بركة الله . نبدأ تنفيذ المشروع .. ثم تنهد و سأله بشقاوة :
-بس إيه التغييرا الفظيع إللي طرأ علي سمر ده ؟ دي إتغيرت خالص يا أخي . لثانية قلت دي مش هي !
عثمان و قد عاوده الغضب مجددا :
-و إنت مالك بيها يعني ؟ ما تتغير ياسيدي مهتم ليه إنت ؟؟
مراد بضحك :
-أيوه ياعم حقك تعمل أكتر من كده طبعا . ما إللي علي راسه بطحه بقي . مش قادر تنسي الرهان إللي خسرته.
في هذه اللحظة دق الباب ، ثم دخلت "سمر" حاملة مشروب "مراد" بين يديها ..
-إتفضل ! .. قالتها "سمر" برقة و هي تنحني قليلا صوب "مراد" بينما إبتسم الأخير بشدة و هو يقول :
-بنفسك ؟ جايبالي العصير بنفسك مش معقول !
ردت "سمر" له الإبتسامة ، ليصطبغ وجه "عثمان" بالحمرة و هو يقول بصوت غليظ :
-من إمتي بدخلي المشاريب بنفسك ؟ أومال فين الساعي ؟؟
سمر بشئ من التوتر :
-عم حسن تعبان و واخد إجازة مرضية إنهاردة !
مراد و هو يجذب إنتباهها مرة أخري :
-إنتي مش فكراني و لا إيه يا سمر ؟
سمر و هي تنقل نظرها بقلق بينه و بين "عثمان" :
-لأ إزاي فاكرة حضرتك طبعا.
مراد بنعومة :
-شكلك إتغير أوي . بس للأحسن طبعا.
سمر بتعثر :
-مـ ـيـ ـرسي !
-عموما أنا مبسوط إني شوفتك تاني .. و مد لها يده للمصافحة
بصورة تلقائية مدت "سمر" يدها هي الأخري و صافحته ..
حدق "عثمان" بغيظ في يد صديقه المطبقة بشدة علي يد "سمر" ثم حدق فيها هي منتظرا أن تسحب يدها بسرعة ، لكنها لم تفعل حتي قرر "مراد" بنفسه تركها بعد عدة لحظات ..
-عن إذنكوا ! .. قالتها "سمر" و هي تنظر بالأرض ، ثم إستدارت لتغادر المكتب
-مزززززززززه جآاامدة أوي يا عوث ! .. تمتم "مراد" بحرارة ، ليتنهد "عثمان" بنفاذ صبر و يرد :
-أظن إنها مش تيبك . و لا إيه ؟
مراد بضحكة ساخرة :
-يعني هي كانت تيبك إنت ؟ بس سيبك . إحلوت أووي عن أخر مرة شوفتها.
عثمان بإستهجان :
-لا إحلوت و لا حاجة عادي زي ما هي.
مراد بجدية :
-لأ .. جسمها لف و بقت مارشميللو خالص . ألوظت يعني.
-ما تلم نفسك يابني آدم إنت ! .. صاح "عثمان" بعصبية رغما عنه
مراد بدهشة :
-الله ! و إنت محموء كده ليه ؟ الكلام غريب علي ودانك ؟ ده إنت إللي بدعه .. ثم قال بخبث :
-و لا الهزيمة لسا حرقاك ؟
رمقه "عثمان" بحنق ، فضحك "مراد" و قام من مكانه و هو يقول بنبرة متكاسلة :
-أوك . همشي أنا بقي عشان ماعطلكش أكتر من كده .. يلا باي.
و رحل "مراد" ليرفع "عثمان" سماعة الهاتف فورا و يستدعي "سمر" ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
شعرت "سمر" بخطر وشيك كلما إقتربت من غرفة مكتبه ... لكنها تسلحت بجدار شجاعة واهية قابل للإنهيار ما إذا أحب هو أن يهدمه
تقف "سمر" عند الباب ، ليشير لها "عثمان" بإن تقترب ... إنصاعت له و هي تبتلع ريقها بصعوبة حين لمحت تلك النطرة العنيفة بعينيه
سمر بصوت خافت :
-نعم !
قام "عثمان" من مكانه و مشي ناحيتها بتمهل ..
-إنتي بتشتغلي فين يا سمر ؟ .. قالها "عثمان" بجمود و هو يكتف يديه خلف ظهره
سمر ببلاهة :
-هه ! مش فاهمة ؟!
عثمان بصوت أجش :
-سؤالي واضح . إنت بتشتغلي فين ؟
سمر بعدم فهم :
-بشتغل هنا . في مؤسسة البحيري للتسويق و التجارة !
عثمان و قد غدت نبرته هادئة علي نحو يدهش :
-إللي هي ملك لمين ؟
سمر بحيرة ممزوجة بالتوتر :
-ليك !
-يعني أنا أبقي مين ؟ .. قالها "عثمان" بصوت هامس ، ثم رفعها بمنتهي الخفة و أجلسها علي سطح مكتبه
سمر حابسة أنفاسها بتوتر شديد :
-عـ عثمان البحيري !
عثمان و هو يزيح حچابها ببطء ليكشف عن شعرها :
-و إنتي تبقي إيه ليا ؟
-مـ .. مر مراتك .. نطقتها بصعوبة ، لتظلم عيناه في هذه اللحظة و هو يرد بغضب :
-و لما إنتي عارفة كده إزاي تسمحي لواحد غريب يلمسك ؟ إزاي تخليه يمسك إيدك ؟ و يبقي إيه لزمته الحجاب إللي علي شعرك ده ؟؟؟
سمر بحدة ممزوجة بالإرتباك :
-هو مامسكش إيدي بالمعني إللي تقصده ده سلم عليا بس و أنا بسلم علي كل الناس بالإيد عادي ! .. ثم قالت بإستغراب :
-و بعدين أنا مش فاهمة يعني إيه سبب التحقيق ده ؟ إللي يسمعك كده يقول جوزي بجد و غيران !!
أجفل "عثمان" من ملاحظتها و قال :
-غيران ؟ أنا لأ طبعا .. ثم أردف بخشونة :
-و إيه جوزي بجد دي ؟ إنتي مراتي و لا عايزاني كل شوية أفكرك ؟؟؟
أحمـّر وجهها و أطرقت رأسها لتهرب من نظراته الحادة ، بينما تابع بنفس النبرة الخشنة :
-لازم تعرفي إنك ملكي أنا . و طول ما إنتي ملكي مش من حقك و لا من حق أي حد تبصيله أو يبصلك.
رفعت "سمر" وجهها و كم تمنت لو تستطع أن ترد عليه ، و لكنها عجزت كالعادة ، فإكتفت بنظرة حاقدة قصفته بها ..
عثمان بجدية تامة :
-و حاجة كمان . ماتحطيش أي بيرفيوم و إنتي خارجة .. و أكمل بسخرية :
-إذا كنتي مش بتحطيلي أنا بتخلي الناس هما إللي يشموا بدالي !
عضت علي شفتها السفلي بقوة جراء كلماته المحرجة جدا بالنسبة لها ..
تملصت في مكانها تريد أن تنزل عن المكتب ، ليثبت مكانه قليلا و هو يرمقها بنظرات غاضبة ، ثم يفسح لها المجال
راحت تضبط وضع حچابها مرة أخري و هي تشعر بالإهانة مجددا
تنفست بعمق و كادت تخطو بعيدا عنه ، ليقبض علي معصمها يقول بصوته الآمر :
-بكره هتيجي معايا الشقة و قبل ماتتحجي ماليش دعوة . دي مشكلتك مش مشكلتي . قولي لأخوكي أي حاجة بس بكره هتيجي معايا يعني هتيجي معايا .. سامعة يا بيبي ؟!
رمقته ببغض و شدت يدها بعنف من قبضته ، ثم غادرت مكتبه و هي ترتجف من فرط متابعتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق