عزلاء أمام سطوة ماله
( 36 )
_ وعد ! _
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" باكرا ، و أثناء ما كانت ترتدي ثيابها راحت تعيد ترتيب أحداث خطتها الخرقاء
بالطبع خرقاء و يجب أن تتوقع أي رد فعل عنيف قد يصدر عنه ، و لكن ما أقلقها بحق و جعل أصابع يدها ترتجف و هي تغلق أزرار كنزتها .. تلك الطفلة المسكينة
ألقت "سمر" نظرة علي أختها النائمة بالمهد الصغير ، أزعجتها فكرة أنها ستتخذها كدرع حماية ، و لم تكن واثقة من نجاح الخطة
و لكن ما كانت واثقة منه تماما أنه حتي إذا بلغ قمة غضبه فإن هذا الغضب كله سيقع عليها وحدها لا علي هذه الصغيرة ، بالتأكيد لن يفعل لها شيئا
و تأمل كثيرا لو تنجح هذه الخطة ، رغم أنها تعلم أن لا يمكن الهروب منه كثيرا ، و لكن لتفلت منه هذه المرة و ستفكر في عذر أقوي للمرة القادمة ..
إنتهت "سمر" من تحضير نفسها ، ثم إيقظت "ملك" من نومها بلطف و أخذت تبدل لها ملابسها و تعطرها و تمشط لها شعرها البندقي الجميل
عند ذلك كان النعاس قد طار تماما من أعين الصغيرة ، لتأخذها "سمر" و تذهب لشقة الجارة "زينب" ..
دقت بابها ... لحظات و فتحت لها "زينب" و علي وجهها إبتسامتها المشرقة ..
زينب بود :
-صباح الخير يا قمرات . إيه نازلين بدري ليه ؟ .. ثم قالت بإستغراب :
-و بعدين إنهاردة الجمعة . مافيش شغل إنهاردة !
سمر بإبتسامة متوترة :
-ملك مش هتقعد معاكي يا ماما زينب . أنا هاخدها معايا إنهاردة.
زينب بشك :
-هتاخديها معاكي فين ؟
حمحمت "سمر" بتوتر أشد ، و لكنها أخبرتها بالأخير ..
-إنتي بتقولي إيه ؟ .. صاحت "زينب" بغضب ، و تابعت :
-إنت أتجننتي ؟ هتروحيله برجليكي تاني ؟ و وعدك ليا ؟ هتسلميله تاني ؟؟؟
سمر بهمس و هي تتلفت حولها بقلق :
-بالله عليكي يا ماما زينب وطي صوتك . وعدي ليكي زي ما هو . و الله ما هسيبه يلمسني تاني صدقيني مش هيحصل لو علي رقبتي.
زينب بإستنكار :
-أومال رايحاله برجلك دلوقتي ليه ؟ و هتقابليه لوحدك ليه ؟؟؟
سمر بنبرة مقنعة :
-أنا هروح أقابله فعلا بس و ملك معايا . أنا نايمتها طول الليل إمبارح عشان تفضل صايحة طول النهار و هي معانا . هتحجج بيها و مش هيعرف يعمل معايا حاجة . ماتقلقيش يا ماما زينب و الله العظيم ما هخليه يقربلي.
زينب و قد تهدلت تقاسيم وجهها بإستسلام :
-خدي بالك من نفسك يا سمر . إوعي تضعفي يابنتي أو يغلبك الشيطان ده.
سمر بثقة :
-ماتقلقيش .. أنا وعدتك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... يضبط "يحيى البحيري" ربطة عنقه أمام المرآة ، لتأتي زوجته من خلفه و تسند خدها علي كتفه و هي تطلق تنهيدة حارة
فريال بلهجة قانطة :
-هتسافر تاني يا يحيى ؟
يحيى بصوت خافت لونته المرارة :
-أيوه يا فريال . لازم أسافر . هحاول أنقذ ما يمكن إنقاذه من الصفقة إللي حطيت فيها حصيلة سنة كاملة من الشغل !
تقلص وجهها بألم ، فهمست :
-عشان خاطري ما تتأخرش . أنا ببقي وحيدة منغيرك . مابحسش بطعم الحياة إلا بوجودك جمبي.
إستدار "يحيى" ليواجهها
أمسك بكتفيها و حدق في عيناها مباشرةً ..
يحيى بصوته الدافئ :
-و أنا كمان يا حبيبتي مابقدرش أعيش ثانية منغيرك . لكن مضطر . إدعيلي إنتي بس سفري ده يجي بفايدة و لو كل حاجة تمت زي ما أنا عايز هرجع بعد يومين إن شاء الله.
فريال و هي تنظر إليه بلوعة :
-ربنا يحفظك ليا و ترجعلي بالسلامة . دول الأهم بالنسبة لي.
إبتسم "يحيى" بحب ، ثم ضمها إلي صدره بلطف ، و تمتم بأذنها :
-بحبك . خليكي فاكرة إني جمبك دايما .. و بحبك دايما !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في غرفة "صالح" ... الصمت و الوجوم يخيمان عليه و هو يجلس مهموما علي فراشه الواسع
تلج "صفية" إليه حاملة كأس اللبن الدافئ بين يديها ..
جلست علي طرف السرير بجانبه ، و قربت الكأس من فمه و هي تقول بإبتسامة رقيقة :
-صلَّوحي ! يلا يا حبيبي إشرب اللبن و هو سخن.
يشيح "صالح" بوجهه قائلا بإنزعاج :
-من فضلك إبعديه عني يا صفية مش عايز.
صفية بضيق :
-بعد ما عملتهولك بإيدي تقولي مش عايز ؟ .. لكنها لاحظت تعابيره البائسة فجأة ، فسألته بجدية :
-مالك يا صالح ؟؟
صالح بكدر :
-ماليش يا صافي.
صفية و هي ترمقه بنظرة ثاقبة :
-إنت كداب يا صالح . قولي في إيه ؟ إيه إللي مضايقك ؟!
و ظلت لعدة دقائق تقنعه بالكلام ... ليقول أخيرا :
-دايما كل الظروف بتبقي ضدي يا صفية !
صفية بعدم فهم :
-مش فاهمة ! تقصد إيه يا صالح ؟!
صالح بكآبة :
-كل ما أحل عقدة . كل ما أفتكر إن مشاكلي إتحلت بطلع غلطان في الأخر .. مشاكلي بتزيد و بتتعقد أكتر.
أجفلت "صفية" و قالت بدهشة :
-ليه بتقول كده يا حبيبي ؟ إنت ماعندكش أي مشكلة . وضعك بيتحسن و الدكتور قال قريب أوي هترجع تقف علي رجليك من تاني . صحتك ممتازة و قطعت شوط هايل النتيجة إللي وصلنالها ماكنتش متوقعة . إنت إنسان قوي يا صالح و عندك إرادة . مافيش حاجة واقفة في طريقك دلوقتي !
نظر لها و قال بسخرية :
-لأ في . أبويا .. أبويا إتخانق إمبارح مع أبوكي . و شكل الخناقة كانت بجد و غير أي خناقة عادية عدت بينهم . أبويا يا صفية عقدلي الدنيا أكتر ما هي متعقدة.
صفية بصوت كالأنين و هي تلتقط خصلة أمامية من شعره :
-يا حبيبي إنت بتقول كده ليه بس ؟ مافيش عقد يا صالح . و بابا و أنكل رفعت دايما بيتخانقوا و بيرجعوا زي ما كانوا.
-بس المرة دي غير . صوتهم كان عالي و أنا سمعت كلامهم .. أنا حاسس إن المشكلة دي هتقف في طريقنا يا صفية . حاسس إن عمي هيبعدك عني بسبب خلافه مع أبويا.
وضعت "صفية" إصبعها علي فمه و قالت :
-هشششش . ماتقولش كده تاني . إنت مش واثق فيا يعني ؟ أنا مستحيل أبعد عنك أنا بحبك يا صالح و عمري ما هسيبك أو أسمح لحد يبعدني عنك . فاهم ؟ مش عايزاك تقلق نفسك بحاجات زي دي . ركز في علاجك و بس . و إحنا لبعض في الأخر . محدش هيقدر يفرقنا أبدا .. أوعدك.
رمقها "صالح" بنظرات آملة ، بينما إبتسمت و هي تعيد الكأس إلي فمه :
-يلا بقي إشرب اللبن !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان "عثمان" جالسا في سيارته المركونة علي جانب الطريق ... يراقب المارة أمامه بنظرات فاترة من خلال نظارته الشمسية القاتمة
زفر بقوة و قد أزعجه طول إنتظاره ، لكنه تلقي مكالمة في هذه اللحظة ..
أخرج هاتفهه من جيب داخلي في سترته البيضاء .. ألقي نظرة سريعة علي الرقم ، ثم أجاب :
-بابا ! .. كانت نبرته لطيفة ودية
يحيى بصوت أجش :
-إنت فين يا عثمان ؟
-أنا في مشوار كده . ليه في حاجة ؟!
يحيى بنبرة متماسكة غامضة :
-لأ مافيش .. بس بقالي مدة ماشوفتكش !
-آسف بس إنت عارف الشغل و شركتي لسا في بدايتها . هاشوفك بالليل إن شاء الله.
-أنا مسافر دلوقتي.
عثمان بدهشة :
-مسافر ! مسافر فين ؟؟
-طالع علي لندن.
-الله ! إنت مش كنت لسا هناك ؟!
-هاروح تاني . لسا في شغل متعلق .. ثم قال بنبرة جدية :
-المهم أنا عايز أطلب منك طلب.
عثمان بإهتمام :
-طلب إيه يا بابا ؟!
-طول فترة غيابي . عايزك تمسك الشركة و تديرها بنفسك . خلي بالك يا عثمان عينك تبقي في وسط راسك . مش عايزك تغفل عن أي حاجة.
أجفل "عثمان" بشئ من القلق ، و تساءل :
-طيب في حاجة يعني ؟ في مشكلة حصلت ؟؟
-مافيش حاجة . أعمل بس إللي بقولك عليه.
-حاضر !
-حاجة كمان ... أمك . خلي بالك من أمك . إوعي تسمح لأي حاجة في الدنيا تضايقها.
عثمان و قد ساوره القلق بشدة الآن :
-بابا في إيه ؟ بجد في إيه ؟؟؟
-يابني قولتلك مافيش حاجة . بوصيك زي كل مرة . مش كل مرة بسافر بسمعك الكلمتين دول ؟
-أيوه بس المرة دي حاسس إنك مخبي عليا حاجة !
يحيى بنفس النبرة الغامضة :
-مافيش حاجة . بأكد عليك بس.
عثمان بعدم إقتناع :
-أوك . عموما ماتقلقش . أنا هتولي كل حاجة لحد ما ترجع.
-تمام . سلام بقي دلوقتي عشان طالع عالمطار.
-سلام يا بابا . خد بالك من نفسك !
و أغلق الخط و ما زالت الحيرة و الشك تلعبان بملامح وجهه و تشغلان عقله ..
يلمح "سمر" أخيرا و هي تتقدم صوب سيارته ، طار كل ما كان يشغله في هذه اللحظة و خاصة عندما شاهد تلك المخلوقة الصغيرة التي يعرفها جيدا متكورة في صدر أختها مطوقة عنقها بذراعيها القصيرين ..
نظر لها بذهول شديد و ظلت عيناه عليها حتي وصلت عنده
إتخذت "سمر" مكانها بجانبه ... إبتسمت و هي تقول متظاهرة بعدم ملاحظة ردة فعله غير المصدقة :
-صباح الخير !
-إيه إللي إنتي جايباها معاكي دي ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو ينقل نظراته بينها و بين "ملك"
سمر ببساطة :
-دي ملك . لوكا أختي إنت مش فاكرها و لا إيه ؟!
عثمان بحدة :
-جبتيها معاكي ليه ؟ إنتي بتهرجي !
سمر ببراءة :
-إيه إللي حصل بس ؟ أنا لسا راجعة بيها من عند الدكتور و مافيش حد في البيت ياخد باله منها . كنت هسيبها فين ؟!
زفر "عثمان" غاضبا و قال :
-و إحنا هناخد راحتنا مع بعض إزاي و هي معانا سيادتك ؟؟
سمر بإبتسامة و هي تمسد علي شعر "ملك" الحريري :
-أنا هانيمها . أكلها معايا أول ما تشبع هتنام.
عثمان و هو يلوي ثغره بنفاذ صبر :
-أما نشوف !
و شغل محرك السيارة ، ثم إنطلق ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا "رشاد الحداد" ... تتمدد "چيچي" في حوض الإستحمام البيضوي و المتتلئ بالماء الممزوج بالصابون ذا الرغاوي و الفقاقيع البيضاء
تتنفس بعمق لعدة مرات .. تزيد درجة إسترخائها ... ترهف السمع إلي تلك الموسيقي الهادىة المنبعثة من سقف قاعة حمامها المستقل
يدق هاتفهها في هذه اللحظة ، فتمد يدها المبتلة لتأخذه من خلفها ..
-ألوو ! .. ردت "چيچي" بنبرة متكاسلة
المتصل :
-چيچي هانم . في مفاجأة مش هتصدقيها !
چيچي بفتور :
-بليز منغير مقدمات إنجز و هات إللي عندك بسرعة.
المتصل :
-البنت إللي حضرتك وصفتيها دلوقتي حالا ركبت عربية عثمان البحيري.
چيچي و قد خفق قلبها من الإثارة :
-البنت المحجبة !
المتصل :
-هي يا هانم.
چيچي بإبتسامة شريرة :
-Very Good . خليك وراهم . و عايزة شغل نضيف و واضح.
المتصل :
-أنا تحت أمر حضرتك . هحاول علي أد ما أقدر بس مش واثق أوي إني هعرف أعمل المطلوب بالظبط.
چيچي بصرامة :
-تجيبلي شغل نضيف هاديك حقك أضعاف إللي إتفقنا عليه . أنا عايزة حاجة واضحة عايزاها تبقي فضيحة الناس ماتنسهاش أبدا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في إحدي الشقق الفخمة ... المطلة علي ساحل الأسكندرية
تقف "سمر" بالمطبخ المصمم علي الطراز الإيطالي و الذي إتخذ شكل حرف الـ U .. مطلي بلون سماوي رائع تألق مع لمسات الإستيل الأنيقة ..
تناولت "سمر" أحد الصحون المربعة ، و شرعت في تحضير وجبة الطعام لأختها
لقد تركتها بالخارج مع "عثمان" ... ظلت تدعو و هي ترتجف بتوتر ألا تخذلها "ملك" و تغفو بحق ، لابد أنه يحاول ذلك الآن ..
-إن شاء الله مافيش حاجة هتحصل ! .. تمتمت "سمر" لنفسها بنبرة مهزوزة ، ثم أخذت الطعام و توجهت به إلي قاعة الصالون الخارجية
في طريقها إلي الخارج إستطاعت أن تسمع صوت ضحكات "ملك" الرنانة ، و إستطاعت أيضا سماع صوت "عثمان" المتذمر ..
ظهرت "سمر" عند طرف القاعة ، لتراه جالسا علي الأريكة الصغيرة ، واضعا "ملك" فوق قدميه و وجهها مقابلا لوجهه
كانت تبتسم بشدة و قد ظهرت غمازتاها الجميلتين ، فيما بدا "عثمان" نافذ الصبر أمام مرحها بصورة كبيرة ..
-يابنتي خلاص بقي أبوس إيدك سيبي دقني ! .. قالها "عثمان" بضيق شديد
بينما كركرت "ملك" ضاحكة و هي لا تزال مستمرة في شد لحيته بقبضتاها الصغيرتين
تأفف بنفاذ صبر و هو يحاول إبعاد وجهه عن متناول يدها ، لكنها لم تتركه و أظهرت سلوكا شرسا حين قفزت عليه و قضمت خده بأسنانها اللبنية المربعة و هي تزمجر بعفوية ..
لمح "عثمان" شقيقتها و هي تقف و تراقب هذا ، فصاح بإنزعاج :
-إنتي ياستي . تعالي خدي القطة المتوحشة دي . دي إستحالة تكون طفلة ماكملتش سنة !
ضحكت "سمر" رغما عنها و مضت إليهما ..
-معلش أصلها بتسنن بقالها فترة و بتحب تعض علي أي حاجة .. قالتها "سمر" و هي تمد ذراعيها لتأخذها منه
ناولها "عثمان" إياها فورا رغم أن الصغيرة إستاءت ، فقد كانت مستمتعة برفقته ..
عثمان عابسا بضيق :
-قدامها أد إيه دي لحد ما تنام ؟
سمر و هي تهز كتفاها بخفة :
-أنا هأكلها و هحاول أنيمها !
عثمان بإستنكار :
-نـــعــــم ! هتحاولي ؟؟؟
سمر بهدوء :
-أه هحاول . ما أنا أكيد مش هعرف أنيمها غصب عنها.
عثمان بإنفعال :
-إنتي بتهزري ؟ إنتي قاصدة تعملي كده علي فكره بتعاندي معايا. يعني ماتكونيش فاكراني عبيط و مش فاهمك بس لازم تعرفي إن مش أختك إللي هتحوشني عنك.
إرتجفت "ملك" علي صوت صياحه ، و تغلغلت عميقا في أحضان أختها و خبأت وجهها في شعرها و هي تنشج و تئن بحرارة ..
أجفل "عثمان" بتوتر مفاجئ عندما سمعها تبكي ، بينما توهجت نظرات "سمر" المصوبة إلي عينيه و هي تقول بغضب :
-إنت ماتعليش صوتك ده تاني و البنت موجودة . هي عملتلك إيه ؟ دي طفلة صغيرة . و بعدين إنت إللي لازم تعرف إن لولا أختي دي ماكنتش هتشم ريحتي أصلا . أنا لو كنت قبلت أي حاجة عرضتها عليا فأنا قبلت عشانها هي فمش هسمحلك أبدا بأي تجاوز معاها . فاهم ؟
و ظلت نظراتها المستعرة تلتهمه للحظات قبل أن تتركه و تمضي نحو إحدي الغرف ..
وقف "عثمان" يحدق في إثرها الفارغ مشدوها ، فهذه أول مرة تتجرأ عليه هكذا ، أول مرة ... يري الكره .. الغضب الحقيقي في عيناها !!!!!
متابعه
عزلاء أمام سطوة ماله
( 37 )
_ صراع ! _
تذرع "سمر" الغرفة جيئة و ذهابا بـ"ملك" ... فما زالت الصغيرة تبكي بحرارة ، و ما زالت هي تبذل محاولاتها لتجعلها تكف عن البكاء
راحت تغني لها بصوت عذب و تهدهدها بين ذراعيها ، و بالفعل نجح الأمر و هدأت "ملك" تدريجيا إلا من بعض الشهقات و الإرتجفات البسيطة
-بقت كويسة ؟ .. سمعت "سمر" صوته أتيا من خلفها ، لتغمض عيناها في حنق ثم تلتفت إليه ..
سمر بحدة :
-نعم ! عاوز إيه ؟؟؟
عثمان عابسا بشئ من التوتر :
-أنا ماكنش قصدي أزعق في أختك . هي في الأول و في الأخر طفلة و أنا مش حيوان أوي كده عشان ماتفرقش معايا مشاعرها .. ثم مد ذراعيه صوبها مكملا :
-ممكن !
كانت دعوة لا ترفض ، خاصة بعد ما أظهره من سلوك إنساني مهذب و لأول مرة
لوت "سمر" شفتاها ممتعضة ، لكنها ناولته شقيقتها في الأخير ..
توتر جسد "ملك" في بادئ الأمر و إتسعت عيناها الخضرواتان و هي تنظر إلي "عثمان" بخوف و ترقب ، لكنه طمئنها بإبتسامة خفيفة حلوة و ضمها إلي صدره بلطف
تكورت "ملك" بحضنه و دست رأسها في صدره دلالة علي خجلها و حبها في آن ..
عقدت "سمر" حاجبيها بإنزعاج من هذا ، فمدت يديها و إستعادت الصغيرة منه و هي تقول بجفاء :
-ملك حساسة أوي و لسا مانسيتش إللي حصل برا . عشان كده لازم أخدها و أمشي دلوقتي.
و هنا إنقلب مزاج "عثمان" فجأة ، إلا أنه تماسك و رد بأقصي ما إستطاع من هدوء :
-إحنا لسا جايين . و بتقوليلي تمشي ! ده كلام يعني ؟ خليكي شوية إحنا لسا ماقعدناش مع بعض لوحدنا.
سمر بعناد :
-أختي أهم من أي حاجة.
عثمان بنفس الهدوء :
-طيب أنا ماقولتش حاجة و بعدين هي هديت دلوقتي و ممكن تنام بسهولة.
في هذه اللحظة دق هاتف "سمر" ... أخرجته من جيب معطفها ... ألقت نظرة علي إسم المتصل ... و ردت :
-فادي ! .. إيه يا حبيبي صحيت ؟ .. أنا ماحبتش أقلقك .. أيوه عارفة إن إنهاردة أجازة بس ملك كانت محتاجة تروح للدكتور .. إحنا خلصنا كشف خلاص .. لأ هي زي الفل ... ماشي . إحنا جايين بسرعة أهو .. سلام يا حبيبي.
أنهت مكالمتها ، ثم نظرت إليه قائلة بأسف مصطنع :
-فادي بيستعجلنا . للآسف لازم أمشي دلوقتي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا "رشاد الحداد" ... يدخل هذا الشاب ليقابل "چيچي" بالحديقة الخلفية
كانت تجلس علي الأرجوحة تتصفح إحدي مجلات الموضة عندما آتي ، إنتبهت لحضوره و تركت المجلة من يدها ..
چيچي بصوتها الفاتر :
-هآا ! .. طمني عملت إيه ؟
الشاب و هو يمد لها يده بمظروف كاكي اللون :
-أنا عملت كل إللي قدرت عليه . بس للآسف مقدرتش أوصل لجوا الشقة و مش هقدر يا چيچي هانم . إللي إسمه عثمان البحيري ده حاويط أوي و دايما جاهز لأي حاجة !
تنهدت "چيچي" بغيظ و هي تشد المظروف منه بعنف ...
فتحته و أخذت تطالع الصور التي كانت فيه ، لم يسترعي "عثمان" علي إهتمامها بقدر ما فعلت "سمر" ..
راحت تمرر أمام عينيها الصورة تلو الأخر فإستغرقت بلا وعي في تأمل تلك الفتاة ، منافستها ... أغضبها أن تضع نفسها محل مقارنة بجانبها
فهذه أجمل منها لو قورنت بها فعلا ، لابد أن زوجها السابق يستمتع كثيرا هذه الأيام ، و لكنها في الواقع ستجعله يستمتع أكثر ..
-يعني مش هتقدر تجبلي أكتر من كده ؟ .. قالتها "چيچي" بتساؤل و هي تلقي بالصور فوق طاولة صغيرة أمامها
الشاب بأسف :
-خارج النطاق ده ! مش هقدر يا هانم أعذريني.
زفرت "چيچي" بضيق ، ثم قالت :
-طيب فين الـNegative بتاعت الصور دي ؟
أخرج الشاب فيلم التصوير من جيبه و ناولها إياه متمتما :
-إتفضلي يا هانم !
چيچي و هي تقلب الفيلم بين أصابعها :
-أوك . دلوقتي تقدر تروح و المبلغ إللي إتفاقنا عليه هيتحول في حسابك بعد ساعتين بالظبط.
الشاب بإبتسامة :
-شكرا يا هانم . و حضرتك لو إحتاجتيني مرة تانية أنا تحت أمرك في أي وقت.
جلست "چيچي" بعد رحيل جاسوسها تفكر ، كيف تستغل هذه الصور ؟؟؟
توصلت لحل وحيد و قد بدا لها الأكثر فعالية أيضا ، و لكن متي تنفذه ؟ ..
-لأ يا چيچي .. تمتمت "چيچي" لنفسها ، و أكملت بخباثة :
-مش دلوقتي . لازم تستفيدي من دروس الـProfessor بتاعك . عثمان البحيري .. في أقرب مناسبة هفجرلك القنبلة الفظيعة دي يا حبيبي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عندما وصلت "سمر" إلي البيت ... توجهت فورا إلي شقة الجارة "زينب"
تتهلل أسارير "زينب" عند رؤيتها ، لتصيح بعدم تصديق :
-ســــــمـــــــر ! حمدلله علي السلامة يابنتي . جيتي بدري مش مصدقة !!
سمر بإبتسامة عريضة :
-الخطة مشيت أحسن ما رسمتها يا ماما زينب . مقدرش عليا المرة دي.
زينب بسرور :
-الحمدلله . جدعة عقبال مانخلص منه علي خير . طيب خشي واقفة كده ليه ؟!
-هطلع بقي عشان فادي صحي و بيزن كل خمس دقايق في التليفون .. و أكملت و هي تربت علي ظهر "ملك" النائمة علي ذراعها :
-و كمان عشان أنيم الأبلة دي في سريرها أحسن تبرد . بتنام كتير أوي البت دي بس الحمدلله إنها نامت لما نزلنا و مانامتش و إحنا معاه.
-الحمدلله يابنتي . ماشي إطلعي و لما تصحي حبيبة قلبي دي إبقي نزليهالي عشان وحشاني.
سمر بإبتسامة :
-حاضر يا ماما زينب.
و صعدت إلي شقتها ... لتجد "فادي" كعادته جالسا أمام التلفاز يتابع إحدي المبارايات المـُعادة ..
-مساء الخير يا فادي ! .. قالتها "سمر" بنيرة خفيفة و هي تمشي بحرص حتي لا توقظ "ملك"
فادي بشئ من الإنزعاج :
-إتأخرتي كده ليه يا سمر ؟ ده أنا في إجازة يعني و المفروض إرتاح اليومين دول قبل ما أنزل الشغل تاني.
سمر و قد تلاشت إبتسامتها :
-إيه إللي حصل بس يا فادي ؟
فادي بضيق :
-جعان ياستي.
-يا حبيبي . طيب ما دبرتش حالك ليه لحد ما أوصل ؟
-التلاجة فاضية.
سمر بخجل :
-أه معلش نسيت . طيب خلاص أنا هحط ملك في سريرها و هانزل أجيب فطار و شوية حاجات كده.
فادي و هو يقوم من مكانه بتكاسل :
-لأ خليكي إنتي . أنا معايا فلوس أخدت دفعة أولي من المرتب . قوليلي إنتي بس إحنا محتاجين إيه و أنا هجيب كل حاجة.
-ماشي يا حبيبي.
و توجهت نحو غرفتها ، إلا أنها تعثرت و هي تمشي و قد أصابها دوار مفاجئ .. كادت تسقط ، لكنها أمسكت بظهر الكرسي بسرعة كي لا تسقط "ملك" بسببها ..
-ســـمــــــر ! .. صاح "فادي" بذعر و إنطلق صوب أخته كالسهم
قام بإسنادها و هو يقول بقلق ممزوج بالخوف :
-سمر . مالك ؟ إنتي كويسة ؟؟؟
شعرت "سمر" بوخزة حادة أسفل معدتها و بغثيان يهدد تماسكها ..
لكنها ردت رغم ذلك :
-أنا كويسة يا فادي ! .. كان صوتها ثقيلا ، بطيئا و إنتابها الإستغراب و القلق من هذا .. تساءلت ماذا يحدث معها ؟؟؟
فادي بنفس نبرة الخوف :
-إيه إللي حصلك فجأة ؟ ده إنتي كنتي هتقعي من طولك !
في هذه المرة خرج صوتها أوضح قليلا :
-ماتقلقش يا فادي أنا كويسة.
-أجيب دكتور ؟
سمر بإسراع :
-لأ . مالوش لزوم . أنا هبقي كويسة لما تجيب الفطار و ناكل سوا هبقي كويسة.
فادي بحنق :
-و هو إنتي نزلتي منغير ما تاكلي ؟ ينفع كده يا سمر ؟!
سمر بلطف :
-معلش . ربنا سترها أهو و أنا مافياش حاجة .. ثم قالت و هي تضع "ملك" بين يديه :
-أمسك ملك عشان ماتقعش مني . حطها في سريرها و أنا هفضل قاعدة هنا لحد ما تنزل و تيجي.
فادي و هو يشملها بنظرة فاحصة :
-ماشي . و خلي الموبايل جمبك لو حسيتي بأي حاجة كلميني.
سمر بإبتسامة متكلفة :
-حاضر يا فادي.
و بعد ذهاب "فادي" ... بقت "سمر" وحدها تراقب مدي تطور حالتها متمنية ألا يكون الشئ البديهي الأول الذي فكرت فيه ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في سيارة "عثمان البحيري" ... يقود بإتجاه القصر
زاد من السرعة متجاوزا عدة إشارات ، لم يتوقف أبدا و كانت عيناه المتقدتان تحدقان إلي الأمام ..
و لكنه في الواقع لم يكن ينظر إلي الطريق بكل هذا التركيز ، بل كان ينظر إلي وجهها الذي يلوح أمام ناظريه أبيا تركه لحاله
و فجأة يدخل "عثمان" في صراع نفسه ..
نفسه :
-إهدا شوية علي نفسك مالك عصبي كده ليه ؟
عثمان :
-لا عصبي و لا حاجة أنا تمام.
نفسه :
-لا يا راجل ! ده إنت من ساعة ما نزلت من الشقة و إنت قايد نار . معقولة واحدة تعمل فيك كده.
عثمان بغضب :
-لا عاشت و لا كانت . لسا ماتخلقتش و بعدين دي تحت جزمتي لو عوزتها في أي وقت هلاقيها.
نفسه :
-إنت لحد دلوقتي معاملتك ليها غير أي معاملة لواحدة قبلها . و في كل مرة معاها بتحس إنها أول مرة . مش قادر تستغني عنها يا عثمان .. إنت بتحبها !
عثمان بغضب أشد و قد خرج صوته صادحا بعد أن كان مجرد همهمة داخل عقله :
-لأ . مـابحبـهآاش . مش ممكن أنا أحب واحدة زي دي.
نفسه :
-و مالها دي ؟ إنت عارف كويس أوي إنها أحسن من كل إللي عرفتهم في حياتك . إنت إللي أذيتها إنت إللي إستغليت ضعفها إنت إللي خليتها كده . إنت السبب.
عثمان :
-أنا ماجبرتهاش . هي إللي بمزاجها جت لحد عندي.
نفسه :
-بعد ما ساومتها علي حياة أختها الطفلة الصغيرة !
عثمان مغمغما بعنف :
-إسكت . أنا مش غلطان في أي حاجة و بعد إللي حصل إنهاردة ده هخليها تشوف الوش تاني.
نفسه بعناد :
-بتحبها.
عثمان بإصرار :
-مش بحبها . و هثبتلك !
يصل "عثمان" أخيرا إلي بيته ... يترك سيارته للبستاتي يصفها بالكراچ ، بينما يمضي هو إلي الداخل
يدق هاتفهه و هو بمنتصف الدرج ، ليخرجه و يقطب مستغربا ..
والده يتصل !
من المفترض أن يكون علي متن الطائرة الآن ..
-إيه يا بابا إنت لسا ماسافرتش ؟ .. رد "عثمان" بنبرة هادئة متسائلة ، ليأتيه صوت غريب تماما و ليس صوت والده :
-السلام عليكم ! عثمان بيه معايا ؟
عثمان بصوت أجش و قد ساوره القلق في هذه اللحظة :
-أيوه . مين معايا ؟؟؟
المتصل :
-معاك الرائد معتز الشيدي . أنا آسف بس مضطر أبلغك بخبر مؤسف شوية و كمان مالاقتش غير رقم حضرتك كان أخر رقم كلمه يحيى بيه.
إزدرد "عثمان" ريقه الجاف بصعوبة و سأله بشئ من العصبية :
-ما تتكلم يافندم في إيه ؟ إيه إللي حصل ؟؟؟
المتصل :
-يحيى بيه عمل حادثة و هو رايح علي مطار القاهرة . هو دلوقتي في عربية الإسعاف يا ريت حضرتك تاخد أول طيارة و تيجي بسرعة .... !!!!!!!!!
متابعتي
عزلاء أمام سطوة ماله
( 38 )
_ حداد ! _
في قصر آل"بحيري" ... أخيرا يبدأ "صالح" تدريبات السير
يتعكز علي عصى معدنية من جهة و تسنده "صفية" من الجهة الأخري ..
تعمدت خلق جو مرح أثناء هذا الحدث السار المبهج ، فدمدمت مازحة و هي تضحك :
-تآاتاه خطي العتبة تآاتاه حبة حبة . برآااڤووووو يا صلَّوحي شآاطر !
صالح بتذمر :
-إيه يا صافي التفهاهة دي ؟ إنتي إتهبلتي يا حبيبتي ؟!
صفية بضحك :
-لأ يا حبيبي أنا لسا عاقلة بس مبسووطة مبسوطة أوووي.
-يا رب مبسوطة دايما يا حبيبتي . بس إيه إللي بسطك أوي كده ؟
-إنت مش حاسس بنفسك و لا إيه ؟ إنت إبتديت تمشي يا صالح إبتديت تمشي.
و راحت تتقافز بمكانها ، ليباعد "صالح" بين شفتاه في دهشة و يقول :
-لا حول و لا قوة إلا بالله ! لا ده إنتي مش بس إتهبلتي ده إنتي إستعيلتي علي كبر كمان.
صفية و هي تعقد حاجبيها بإستياء :
-بقي كده يا صالح ؟ طيب إيه رأيك بقي هاسيبك تقع دلوقتي و هخرج و مش هسأل فيك.
صالح بتراجع :
-لا لا لا إنتي صدقتي يا حبيبتي ده أنا بهزر معاكي . أنا قصدي بس نقلل معاملة الأطفال دي شوية أظن إني شحط يعني علي تاتا خطي العتبة دي !
صفية بسخرية :
-إنت شحط أه بس عيل في نفسك يا حبيبي و من زمان و إنت عارف ده إنت لسا لحد دلوقتي بتتقمص زي الأطفال.
صالح و هو يحمحم بحرج ممزوج بالإنزعاج :
-إيه الغلط و الإحراج ده بقي !
و هنا جاءت "هالة" و قد إقتحمت الغرفة فجأة حيث دفعت الباب و ولجت و هي تركض ..
هالة بذعر :
-إنتوا عرفتوا إللي حصل ؟؟؟ .. و كانت أنفاسها تتلاحق بصورة عنيفة
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صدمة ... تلك هي الكلمة الوحيدة التي من الممكن وصف حالة "عثمان البحيري" بها الآن .. أو بالأحرى منذ جاءته المكالمة السوداء منذ ساعتين بالضبط
في هذا الوقت كان صديقه "مراد" معه ، فقد رافقه بالطائرة الخاصة إحدي الممتلكات الثمينة لـ"عثمان" وحده
إنتهيا من إجراءات المطار بأسرع ما يمكن ، ثم توجها فورا إلي [ مستشفي القاهرة التخصصي ] حيث تم نقل والده هناك ..
لم يخبر "عثمان" أحدا بالأمر ، أبقي عليه سرا و إختار "مراد" فقط ليذهب معه ، حتي عمه لم يشعر بإنه يود إخباره
يستقلا الصديقين أول تاكسي عند خروجهما من المطار ... يصلا إلي المشفي خلال وقت قياسي .. تعترض طريقهما الصحافة التي تجمهرت كلها دفعة واحدة أمام البوابة الرئيسية لحظة إنتشار الخبر .. يبعدهم "عثمان" عن طريقه بعنف و هو يصيح بغضب ، ثم ينطلق إلي الداخل متجاوزا أفراد الأمن الواقفين كحاجز منيع بوجه عدسات وسائل الإعلام الفضولية
كان الوصول إلي مكان والده سهلا إذ جاء أحد العاملين بالمشفي و أرشده .. نقله المصعد إلي الطابق الثالث حيث جناح العناية المركزة ... مضي بسرعة وراء مرشده ليوصله الأخير للحال عند ذاك الباب الذي يفصله عن والده عدة أمتار قليلة ..
-هو مافيش حد يطمنا هنا ؟ .. هكذا صاح "عثمان" بنفاذ صبر ممزوج بالعصبية ، ليرد "مراد" بتماسك و هو يربت علي كتفه مهدئا :
-إهدا شوية يا عثمان دلوقتي حد يخرج و يطمنا.
عثمان بعصبية مفرطة :
-و لا الصحافة إللي واقفة تحت . الخبر لحق ينتشر بالسرعة دي إزاي ؟!
مراد بصوت عابث :
-ماتنساش إن المستشفيات الكبيرة إللي زي دي فيها جواسيس مدسوسين هما إللي بينقلوا الأخبار التقيلة.
في هذه اللحظة خرج الطبيب من غرفة العناية بوجه واجم و فم مطبق ... خرج من بعده طاقم التمريض و هم علي نفس الحالة ، بينما ركض "عثمان" صوبه صائحا :
-من فضلك يا دكتور . أنا عثمان البحيري أبويا إللي حضرتك كنت عنده جوا . من فضلك قولي حالته إزيها ؟ إللي حصله بالظبط ؟؟؟
نظره له الطبيب ، ثم أطرق برأسه و قال بحزن :
-أنا آسف جدا يافندم . البقاء لله !
إتسعت عينا "عثمان" و جحظتا من الصدمة ... ساد الصمت لثوان بدت طويلة جدا ، كان إستيعابه أبطأ من المعتاد ، و لكنه عندما تكلم كان أعنف مما يمكن تصوره ..
عثمان و هو يجأر بغضب هائل :
-إللي إنت بتقوله ده ؟ يعني البقاء لله ؟ إنت عبيط و لا متخلف ؟ بقولك أبويا جوا عمل حادثة بسيطة و جاي عشان تعالجوه مش عشان تقولوا عليه مات ! .. كانت الكلمة الأخيرة تكاد تصيبه بالجنون لشدة غرابتها ، فعقله أصغر من أن يستوعب حجمها كما يجب
تفهم الطبيب حالته و تغاضي عن الإساءة و قال بهدوء :
-الحادثة ماكنتش بسيطة يافندم عربية والدك خبطت في لوري و إتقلبت كذا مرة علي الطريق .. ثم تابع بأسف :
-إحنا حاولنا علي أد ما قدرنا . بس أمر الله نفذ محدش يقدر يقف قصاد قدره.
عثمان بغضب أشد :
-إســكـــت . إنت مش دكتور إنت بهيم مابتفهمش حاجة . هاتولي مدير المستشفي دي هاتولي المسؤول عن المخروبة دي أنا هقفلهالكوا بالضبة و المفتاح ههدها علي إللي فيها.
الطبيب و قد نفذ صبره رغما عنه :
-يافندم لو سمحت وطي صوتك إحنا هنا في مستشفي محترمة و في عيانين إنت كده بتأذيهم . والد حضرتك خلاص بقي في ذمة الله مش هنقدر نرجعه أنا عارف إن الصدمة كبيرة عليك بس كل حاجة و ليها حدود هنا.
تركه "عثمان" قبل أن يكمل كلامه و إندفع صوب غرفة العناية ..
كانت الغرفة ساطعة بيضاء ... كان "يحيى" راقدا علي السرير المعدني بلا حراك .. الغطاء مشدود حتي وجهه و لم يكن ظاهرا منه سوي ذراعاه
إقترب "عثمان" من والده و أزاح الغطاء بحركة عصبية عن وجه والده ... كان شاحبا بالكامل و قد إمتزج لونه بالزرقة القاتمة ، بدا مثل شبح .. إستنساخ عن صورة "يحيى البحيري" و لكنه لم يكن هو .. أين ملامحه الدافئة ؟ الصارمة أحيانا و الضاحكة أحيانا ؟؟؟
كم مرة تخيله "عثمان" ميتا ، بالطبع لقد فكر في ذلك كثيرا ، و لكنها كانت أفكار عابرة تطرأ علي ذهن كل إنسان ... إنما اليوم في هذه اللحظة ، عندما تحققت الفكرة علي أرض الواقع ، شعر و كأنه محبوس داخل قفص معتم ضيق ، يشعر بالإختناق .. لا يستطيع حراك ... ما من طريقة أو ثغره يخرج عبرها !!!
بدأ جسد "عثمان" ينتفض و يرتعد بقوة كما لو أن تيارا كهربيا يسري فيه ..
تهاوي أرضا علي ركبتيه ، و إقترب من والده و قال بصوت ممزق من الدموع التي فاضت من عينيه تلقائيا :
-بابا ! .. أنا عثمان . إنت سامعني صح ؟ أنا عارف إنك سامعني . قوم يا بابا . قوم قولهم إنك كويس . قوم و أنا هاخدك علي البيت علطول . قوم إنت ماينفعش تبقي هنا ماينفعش تبقي كده .. بـابـآاا . لازم تقووم . ماما هتزعل أوي منك . و صافي كمان . إنت نايم . إنت شكلك نايم بس كفاية كده . كفاية يا بابا . قوم . قوم حرام عليك رد عليا إنت ماينفعش تموت . لأ . ماينفعش . رد يا بابا عشان خاطري . رررررررررددد !
يدخل "مراد" في هذا الوقت و يقترب من "عثمان" ...
يمسك بذراعه محاولا جذبه و هو يقول بتأثر شديد :
-كفاية يا عثمان . كفاية قوم . في البيت كلهم بيتصلوا بيا . كلهم عرفوا يا عثمان كفآاياك بقي لازم تفوق و تقوم ماينفعش إللي إنت فيه ده.
أبعده "عثمان" عنه بعنف و هو يصرخ فيه بغضب :
-إوووعي سيبني . إبعد عني مالكش دعوة بيآاا . سيبني . إمــشـــــــي !
يأتي الطبيب عند ذلك و معه إثنان من رجال الأمن ، يأمرهما بإبعاد "عثمان" عنه جثة والده ، فيتوجها نحوه بالفعل و يتعاملا معه بحزم و حرص في آن ..
عثمان بصراخ حاد :
-أوعوا . سيبوووني . أبويــآاااااااااا . أبويــآااااااااااااااا . أبويــآاااااااااااااااااااااا !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
سبعة أيام بعد الحادث ... مروا و كأنهم سبعة سنوات ، تغير كل شئ ، كل شئ بالمعني الحرفي
ما من كلمات تعبر عن هذا
ألم "فريال" بالمقام الأول ، في البداية لم تصدق و نهرتهم جميعا حين بدأ البكاء و النواح بالمنزل لحظة تأكيد الخبر
حبست نفسها بالغرفة و إبتعدت تماما عن أجواء الحداد ، و لكن مع مرور أول يومان بدأت تصدق ...
لا "يحيى" لم يعد هنا أو هناك ، لقد إختفي فجأة كما السراب ، لم يتصل بها طوال اليومين الماضيين ، لم يتواصل معها بأي طريقة علي عكس عادته حين يغيب لفترة
حتي هاتفهه عندما حاولت الإتصال به لم تجد ردا و في الأخير أصبح مغلق ..
في اليوم الرابع لم يسمع عنها أحد أي شئ بالبيت كله ، و لم تستجيب هي للدق علي باب غرفتها ، ليقرر "عثمان" أن يحطم الباب ، و قد كان
دخل ليجد أمه في أسوأ حالة ممكنة ..
كانت جالسة في الفراش ، شاحبة ، صامتة ، مشعثة الشعر و الهالات الزرقاء تحول لونها إلي الأسود مع مرور كل يوم و ساعة و ثانية يزيد فيها تأكيد ما حدث
أحضر "عثمان" لها الطبيب و كانت النتيجة أنها أصيبت بصدمة عصبية حادة أفقدتها النطق و التواصل مع من حولها
بالكاد تتناول دوائها و تأكل قليلا جدا من يد "عثمان" أو "صفية" فقط ، ربما الإهتمام بـ"فريال" هو ما جعل الجميع يتناسون الحزن قليلا
و لكن الشئ المفروغ منه أن قصر عائلة "البحيري" بات مظلم كئيب ، بعد أن كان رمزا للبهجة بمجرد النظر من خلف أسواره الخارجية ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا "رشاد الحداد" ... تجلس "چيچي" مع والدها في مكتبه
نصر في صالحهم و لم يكن بالحسبان ، طوال الإسبوع الفائت و حتي اليوم لم ينقطع الإحتفال من بيتهم ..
رشاد بضحكة مجلجلة :
-مين كان يصدق إن يحيى البحيري يموت بدري كده ؟ و الله مفاجأة حقيقية و محدش كان ممكن يتخيلها أبدا.
چيچي و هي تبادله بضحكة مماثلة :
-أكتر حاجة Interesting ( ممتعة ) في القصة إن عثمان خلاص بقي واقف لوحده مالوش ضهر يعني القضاء عليه بقي أسهل من الأول.
رشاد بجدية ممزوجة بالصرامة :
-إحنا حكايتنا مع العيلة دي إنتهت خلاص يعني مش عايزك تفكري في أي حاجة كده و لا كده . ماتنسيش إنه لسا معاه الـCD بتاع سيادتك و ماتنسيش كمان إن الإنتخابات و فرحك بالظبط كمان شهر مش عايزين قلق يا چيچي و مش عايز تصرفات متهورة تهدلي كل إللي بنيته في الفترة دي.
چيچي بحنق :
-يعني هيفضل ماسك علينا الذلة دي كتير ؟
رشاد و هو يحتدم غيظا :
-و هو مين إللي إدالوا الفرصة ؟ مش حضرتك ؟ أنا لحد دلوقتي مش قادر أصدق إنك عملتي كده قبل فرحك بإسبوع و كل ما إفتكر إللي حصل بيبقي هاين عليا أجيب رقبتك تحت رجلي .. بس أعمل إيه ؟ أولا بنتي و ثانيا الفضيحة . لو كنت عملت فيكي أي حاجة كنت هأكد كلامه قدام الناس.
إبتلعت "چيچي" ريقها بتوتر ، ثم قالت بشئ من الإرتباك :
-بردو مش لازم نسيبه . إفرض في يوم عملهالنا مفاجأة و طلع الـCD ده و فضحنا ؟ ساعتها مش هنقدر نعمل أي حاجة !
رشاد و قد أظلمت نظراته من الغضب :
-ساعتها و لو حصل إللي بتقولي عليه ده أنا بنفسي إللي هخلص عليه.
چيچي علي مضض :
-أوك . بس بردو لازم يتعلم عليه و يتفضح زي ما فضحني و بعت ورايا الصحافة يصوروني و أنا راجعة في نص الليل بفستان الفرح.
رشاد بشك :
-قصدك إيه يعني ؟ يتعلم عليه إزاي مش فاهم ؟!
چيچي بإبتسامة شيطانية :
-أنا هتصرف يا بابي ماتقلقش . كل حاجة مترتبة و جاهزة و مافيش ورايا أي دليل
❤متابعة لصفحتي❤
عزلاء أمام سطوة ماله
( 39 )
_ إحتياج ! _
يخرج "عثمان" من غرفة أمه و هو يتنهد بآسي ... تأتي "صفية" في هذه اللحظة حاملة كأس من الماء و بعض من الحبوب العلاجية
صفية بملامح ذابلة كئيبة :
-مامي عاملة إيه دلوقتي يا عثمان ؟
عثمان و هو يفرك وجهه بكفاه :
-كويسة . يدوب كلت من إيدي بالعافية .. ثم نظر لها و أكمل بصوت لا حياة فيه :
-صافي مش عايزك تسيبي ماما خالص . خليكي جمبها طول الوقت و لو إحتاجت لأي حاجة تبلغيني فورا.
صفية بدموع :
-حاضر يا عثمان .. و أخفضت رأسها حتي لا يري دموعها المتدفقة بحرارة
عثمان بضيق :
-كفاية يا صفية . كفاية أبوس إيدك أنا مش ناقص و عايزة تدخلي لماما و إنتي بالشكل ؟!
صفية و هي تكفكف دموعها بعزم :
-خلاص يا عثمان . خلاص أنا مش هعيط تاني.
نظر لها بحزن و شدها إلي حضنه ، ثم قال بهدوء :
-أنا عارف إن حياتنا إتغيرت أو إتقلبت بمعني أصح . بس أنا و إنتي لازم نحط خطوط حمرا لمشاعرنا طول الفترة الجاية خصوصا قدام ماما يا صافي . ماما مش دريانة بأي حاجة . أنا مش قادر أشوفها كده . لازم نعمل المستحيل لازم نساعدها عشان تخرج من إللي هي فيه . إحنا مابقاش لينا غيرها.
وافقته "صفية" بإيماءة صغيرة :
-عندك حق يا عثمان . صدقني أنا بمسك نفسي قصادها جامد أوي . بس بردو هي حالتها أسوأ مننا بكتير . دي مانزلتش دمعة واحدة كاتمة في نفسها و ده إللي مخوفني عليها.
عثمان بثقة :
-هتبقي كويسة . إن شاء الله هتبقي كويسة بس محتاجة شوية وقت .. ثم قال و هو يمسح لها دمعة بأنامله :
-يلا إدخليلها . و زي ما قولتلك إوعي تسيبيها أبدا.
صفية بهمس :
-أوك !
و دلفت إلي أمها ، بينما نزل "عثمان" إلي الأسفل ليوافي "مراد" في الصالون الصغير
كان يحتسي فنجانا من القهوة عندما أقبل عليه ..
-عثمان ! فينك مستنيك بقالي ساعة .. قالها "مراد" و هو يرجع فنجانه إلي الطاولة
عثمان بصوت جاف :
-كنت عند أمي .. ثم جلس قبالته و أكمل :
-عملت إيه مع رئيس التحرير ؟
مراد بجدية :
-خلاص الموضوع إنتهي و هو فهم رغبتك خلاص.
عثمان بخشونة :
-مش مهم يفهم رغبتي . المهم يفهم إني ممكن لو حبيت هوديه في ستين داهية و هقفله الجريدة خالص.
مراد بصوت مهدئ :
-إهدا يا عثمان الراجل ما قالش حاجة و بعدين هو مالوش ذنب الصحافيين إللي عنده هما إللي جريوا يغطوا الحادثة و نشروا الخبر و في كل الأحوال أي جريدة تانية لو كانت جاتلها الفرصة تنشر الخبر قبل أي حد كانت عملت كده.
عثمان بغضب :
-أنا ماحبش إسمي أو إسم عيلتي يبقي لبانة في بؤ إللي يسوا و إللي مايسواش.
مراد بتعجب :
-يابني ما إنتوا عيلة مشهورة و من زمان من أيام جدودك و الصحافة بتكتب عنكوا إيه إللي جد ؟!
عثمان بإنفعال :
-إللي جد إن مهنتهم بقت قذرة أوي و بقوا يألفوا علي مزاجهم . كذا خبر نزل عن الحادثة مش منطقي و مالوش أي علاقة بينا و قضايا التعويض إللي رفعتها هي إللي هتأدبهم عشان يحرموا ينشروا كلمة واحدة قبل ما يتأكدوا منها.
مراد بإنزعاج :
-خلاص بقي يا عثمان هدي أعصابك . إنت بقيت صعب أووي !
زفر "عثمان" غاضبا ، ثم قام من أمامه و مضي إلي خارج المنزل كله ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في إحدي وكالات الأنباء الشهيرة ... تجلس "چيچي" أمام المدير في هذا الثوب الغريب عليها تماما
كانت ترتدي نظارة شمسية كبيرة أيضا لتداري وجهها ، و كانت تغطي شعرها بوشاح داكن اللون ظهرت من تحته بعض من خصلاتها الشقراء ..
-أنا جيت علي سمعة الوكالة الأخبار عندكوا بتنتشر بسرعة رهيبة و بتوصل لكل الناس و ده إللي أنا محتاجاه ! .. قالتها "چيچي" بصوت ثابت النبرات
المدير و هو يقلب الصور بين يديه :
-مفهوم حضرتك . بس أعتقد إن خبر زي ده لو إتنشر في وقت زي ده مش هيبقي حلو علي سمعة عيلة البحيري . إنتي عارفة هما بيمروا بإيه يا أنسة . آا و لا يا مدام ؟
چيچي بضيق :
-حضرتك قول إللي إنت عايزه مش هتفرق . بص يافندم أنا شرحتلك مشكلتي و فهمتك إن في علاقة بيني و بين عثمان البحيري . أنا بقالي كتير معاه و هو مش راضي يعلن عن أي حاجة تخصنا . ضغطت عليه كتير بس ده أحسن وقت . أرجوك ساعدني ! .. و لفظت أخر جملة برجاء
المدير بعد تفكير :
-ماشي يا مدام . أوعدك هعمل كل إللي أقدر عليه عشان أساعدك.
چيچي بإمتنان :
-بجد ميرسي أوي . أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي !
المدير بإبتسامة خفيفة :
-العفو يا مدام.
چيچي و هي تقوم من مكانها :
-أول ما أشوف الخبر منشور هدفعلك مبلغ معقول أوي.
المدير بجدية :
-حضرتك لسا قايلة إنك جاية علي سمعتنا . إحنا هنا في الوكالة ماتهمناش الفلوس إحنا إللي يهمنا بجد قيمة الخبر و عيلة البحيري أكبر عيلة في إسكندرية و ليهم شعبية واسعة جدا . الناس كلها بتهتم بأخبارهم و دي حاجة هتعود علينا بمكسب أكبر من الفلوس.
چيچي بإبتسامة :
-أوك . يبقي متفقين . إستأذنك بقي دلوقتي !
المدير بكياسة و لطف :
-إتفضلي . نورتينا.
و حالما خرجت ضغط بسرعة علي زر الإستدعاء ، ليحضر ذاك الشاب خلال ثوان قصيرة ملبيا ندائه ..
الشاب بخباثته المعهودة :
-آمرني يا ريس . في مصلحة جديدة و لا إيه ؟ المزة جتلك محملة صح ؟ .. و غمز له بعينه
المدير بتوبيخ :
-إهمد شوية ياض و طرطألي ودانك . عايزك تنزل بسرعة و تقطرلي البت إللي لسا نازلة . عايزك تجيبلي قراراها و تعرفلي هي مين.
الشاب بضيق مصطنع :
-إنت ماتحتاجنيش أبدا إلا في المشاوير ؟!
-بقولك إيه مش عايز رغي كتير و بعدين إنت عارف إني معينك هنا ندورجي ببعتك تجيبلي أخبار الناس و بديك أجرك .. ثم قال بصرامة :
-إنجز بقي و ألحقها بسرعة قبل ما تمشي أحسن و الله أمشيك أنا و دلوقتي حالا.
الشاب بضحكة ساخرة :
-لا و علي إيه . هطير أنا أهو و هاجبيلك أخرها قبل أولها كمان ده إنت تؤمرني يا ريس.
و إنطلق متعقبا إثر الزائرة
بينما أمسك المدير بهاتفهه و أخذ يبحث في اللائحة عن إسم معين ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... تذهب "هالة" لتطمئن علي والدها
تجده جالسا في الظلام وحده ، غرفته هادئة تماما و كئيبة مثل كل شيء في البيت كله ..
تقترب منه ببطء ، ثم تركع أمام مقعده و تقول بصوت حزين :
-بابي ! إنت كويس ؟ .. يا بابي بليز رد عليا . هتفضل ساكت علطول كده ؟!
رفعت بصوت خال من أي تعبير :
-عايزاني أقول إيه يا هالة ؟ مافيش كلام ممكن يتقال خلاص.
هالة و هي تمسك يده الكبيرة بكلتا يداها :
-إنت بقالك إسبوع علي الحال ده . لا بتاكل و لا بتشرب و حابس نفسك في الأوضة . حرام عليك يا بابي أنا و صالح محتاجينلك.
و هنا نظر "رفعت" إلي إبنته ..
تراقصت بعيناه الدموع و هو يقول :
-أخويا مات يا هالة . يحيى .. أخويا الصغير مات . مات و هو زعلان مني . أنا عمري . عمري ماتخيلت إن له في قلبي الحب ده كله . عمري ما فكرت إني هندم أووي كده علي كل موقف . كل لحظة زعلته فيها . كنت دايما بقول علي نفسي أنا الكبير . لكن هو إللي طول عمره كان الكبير . بأفعاله و تصرفاته . أنا كنت أخ وحش أوووي عمري ما حبيته عمري ما خدت بالي منه.
و أطرق رأسه مجهشا بالبكاء ، لتقوم "هالة" و تحتضنه بقوة قائلة :
-يا بابي كفاية . عشان خاطري كفاية ! .. كانت تبكي مثله الآن
رفعت بصوت كالأنين :
-ماكنش يستاهل مني كل الكره ده . نفسي أشوفه بس و لو لمرة واحدة . عايز أعتذرله و أترجاه يسامحني . يا ريتني كنت أنا إللي مت و هو إللي عاش علي الأقل كان ممكن يسامحني أنا ماستهلش أعيش بداله ماستهلش.
هالة بحزن شديد :
-يا بابي إسكت . كفاية بالله عليك . ربنا يخليك لينا أنا مستحيل أقدر أعيش منغيرك.
رفعت بمرارة حارقة :
-و أنا دلوقتي بقيت لوحدي . أخويا سابني و مش هقدر أعيش منغيره . ماعادش ليا حد و لا ضهر . ماعادش ليا لازمة !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في سيارة "عثمان البحيري" ... يركن قريبا من الشاطئ ، ثم يترك سيارته و يمضي بإتجاه البحر
يجلس فوق الرمال بعيدا عن الأمواج قليلا غير عابئ بتلويث ملابسه السوداء
ينظر إلي السماء الحالكة الملبدة بالغيوم و المرصعة بالنجوم ... يطلق تنهيدة حارة مطولة ، ثم يخرج هاتفهه من جيب سترته و بدون تردد يتصل بها ..
يأتي صوتها بعد لحظات :
-ألو !
عثمان بنبرة مهمومة :
-سمر ! .. إزيك ؟
سمر بصوت حذر :
-الحمدلله . إزيك إنت ؟!
عثمان بقنوط :
-أهو . عايش . عادي يعني .. ليه ما سألتيش عليا طول الأيام إللي فاتت ؟ إنتي ماعرفتيش إللي حصل ؟
سمر بتردد :
-عرفت . بس ..
-بس إيه ؟
-ماحبتش أضايقك . إنت في إيه و لا في إيه ؟
عثمان بإهتمام :
-ليه إنتي عندك مشكلة و لا حاجة ؟؟
سمر بتوتر :
-لأ . مش بالظبط كده .. بس بقالي يومين حاسة إني تعبانة شوية.
-سلامتك . طيب أجي أخدك للدكتور ؟!
سمر بإسراع :
-لأ . إن شاء الله هبقي كويسة . مالوش لزوم الدكتور !
-هو أخوكي لسا عندك ؟
-لأ سافر إمبارح.
-طيب ممكن أشوفك بكره ؟
صمتت "سمر" و لم تجب ...
عثمان برجاء :
-من فضلك يا سمر . أنا محتاجلك أوي . أنا عارف إنك بتكرهيني بس معلش حاولي تنسي مشاعرك شوية و تستحمليني الفترة دي.
سمر بعد صمت طويل :
-حاضر . أشوفك بكره !
عثمان بجدية :
-بس ملك ماتكونش معاكي زي المرة إللي فاتت .. و هنا دخلت مكالمة أخري علي الخط ، ليستأذنها بلطف :
-سمر معلش هقفل معاكي دلوقتي معايا مكالمة تانية !
-إتفضل طبعا .. و أغلقت معه ، ليرد :
-ألو !
المتصل :
-ألو السلام عليكم . عثمان بيه البحيري معايا ؟!
عثمان بصوت أجش :
-أيوه . مين معايا ؟
المتصل :
-أنا عبد المنعم صقر مدير وكالة ( --------- ) الخاصة بأخبار الفن و المجتمع.
عثمان و قد إكتسب صوته نبرة عدائية :
-أهلا . خير حضرتك ؟ يا تري بتكلمني بخصوص قضية التعويض إللي رفعتها عليك ؟ أحب أقولك دي أقل حاجة عملتها معاك رغم إني معاك في إن قيمة التعويض كبيرة شوية بس ده عشان تقدر تميز بعد كده بين الأخبار قبل ما تنشرها خصوصا لو كانت متعلقة بيا أو بأي واحد من عيلتي.
-بالراحة شوية يا عثمان بيه . أنا مش بكلمك عشان أتفاوض معاك علي قيمة التعويض . إنت عارف إننا وكالة كبيرة و ممكن ندفعلك المبلغ كاش و من بكره الصبح لو حبيت.
عثمان بغضب :
-أومال بتكلمني ليه ؟ أخلص و هات من الأخر عشان صبري إبتدي ينفد.
-أنا بكلم حضرتك دلوقتي عشان في مستندات تحت إيدي أعتقد إنها مهمة و تخصك.
عثمان بإستغراب :
-مستندات إيه دي ؟؟؟
-لا يا باشا مش هينفع في التليفون . لو ممكن تشرفني دلوقتي خمس دقايق بس هتشوف بنفسك و تقول رأيك قبل ما أنشر أي حاجة و تزعل مننا تاني.
عشرة دقائق ... و كان "عثمان" بمقر الوكالة
-أهلا أهلا يا عثمان بيه ! .. قالها المدير و هو يقف و يصافح "عثمان" بحرارة ، و تابع بترحيب :
-خطوة عزيزة . بجد ده شرف ليا إنك واقف في مكتبي دلوقتي.
عثمان بفتور :
-أنا جيت أهو يا أستاذ عبد المنعم . فين المستندات المهمة إللي تخصني دي ؟!
عبد المنعم بإبتسامة :
-طيب أقعد يافندم.
تنهد "عثمان" بصبر ، و جلس أمامه
فتح "عبد المنعم" أحد أدراج مكتبه ، و أخرج مظروف كاكي اللون و ناوله إياه ..
أخذه "عثمان" و فتحه بنفاذ صبر و سحب محتوياته ... لتتسع عيناه بغضب و هو يشاهد تلك الصور التي ضمته مع "سمر" و شقيقتها في ذلك النهار الأسود الذي توفي فيه والده ..
-مين إللي جابلك الصور دي ؟؟؟ .. صاح "عثمان" بغضب شديد و هو يهب من مكانه كما العاصفة
أجفل "عبد المنعم" بشئ من التوتر و قال :
-إهدا شوية يا عثمان بيه . حضرتك ممكن تسأل بهدوء و أنا أجاوبك.
بلغ "عثمان" قمة غضبه ، فمشي صوب مدير الوكالة بخطوات واسعة ..
أمسك بتلابيب قميصه و إجتذبه ليقف علي قدميه أمامه :
-و رحمة أبويا لو ما إتكلمت و قولتلي مين إللي جابلك الحاجات دي لاكون دفنك هنا و يسلام لو كنت جايبني و بتساومني و تكون إنت إللي بعت جواسيسك يلموا ورايا أقسم بالله هتشوفوا إللي عمركوا ما شوفتوه علي إيدي.
عبد المنعم بحدة ممزوجة بالإرتباك :
-نزل إيدك يا عثمان بيه مش طريقة حوار دي . أنا لا بعت جواسيس وراك و لا نيلة كل الحكاية إن في واحدة جاتلي من شوية و سلمتني الصور دي.
عثمان بعصبية مفرطة :
-و دي مين دي إسمها إيه إنطق ؟؟؟
-عبد المنعم بنفس الحدة :
-ماعرفش إسمها إيه بس هي كانت محجبة و الاكيد إن هي إللي في الصورة يعني.
بـُــهت "عثمان" في هذه اللحظة ، و تبدلت ملامحه إلي الصدمة و عدم التصديق !!!!!!
متابعه
عزلاء أمام سطوة ماله
( 40 )
_ خارج عن السيطرة ! _
تفتح "سمر" عيناها ... تستقبل ضوء صباح جديد
بقت مستلقية لدقائق في سريرها ، تحصي دقات قلبها المتسارعة و تتساءل عن سبب تعرق راحتي يديها ..
ربما لأنها ستقابل "عثمان" اليوم ! ... لقد سبق و قطعت وعدا للجارة "زينب" بإنها لن تسمح له بإن يختلي بها مجددا ، لن تلتقي به بمفردها أبدا
و لكنها لا تعلم .. لماذا منحته البارحة موافقتها بسهولة هكذا ؟ .. لماذا حاز علي عطفها ؟ .. لماذا أشفقت عليه ؟ لماذا لمستها نبرة الحزن في صوته ؟؟؟
لم تشعر "سمر" بحاجة لتناول فطورها الآن ، فقامت بإطعام "ملك" ثم بدلت ثيابها و أخذتها و نزلت لتسلمها كالعادة للسيدة العطوفة التي تهتم بها ..
-أهلا أهلا بالقطقوطة الصغننة بتاعتي ! .. هـَّدلت "زينب" بإبتسامة عريضة و هي تفتح ذراعاها لتتلقي "ملك"
مدت "سمر" ذراعيها مبتسمة هي الأخري و ناولتها الصغيرة قائلة :
-القطقوطة الصغننة بتاعتك بقت شقية و فظيعة خآالص تعبتني.
زينب بضحك :
-و ماله ياختي تتشاقي ما كل العيال كده هتيجي عليها يعني .. ثم سألتها بسماحة :
-إيه رايحة الشغل و لا إيه ؟
سمر بخفوت و توتر :
-إحم . لأ يا ماما زينب مش رايحة الشغل.
زينب بدهشة :
-أومال رايحة فين علي الصبح كده !!
إرتعشت أنفاسها و هي تدفعها بلطف إلي داخل الشقة ... أقفلت الباب بروية ، ثم أجابتها بهدوء حذر :
-ماما زينب . منغير ما تتعصبي . أنا رايحة أقابله.
زينب ببلاهة :
-رايحة تقابلي مين ؟!
سمر بتردد :
-عـ عثمان يا ماما زينب . هيكون مين يعني !
مر وقت قصير و "زينب" تكرر الكلمات في ذهنها مرات عدة ، مدققة في كل كلمة لكي تستطع معرفة هدفها الحقيقي ..
-إنتــــي إتجـنـنتــــــي ؟؟!! .. صاحت "زينب" بغضب
سمر بلطف :
-إهدي بس يا ماما زينب هفهمك.
زينب بإنفعال :
-هتفهميني إيـــــــه ؟ إنتي كده بتسرحي بيا يا سمر أو بتاخديني علي أد عقلي . إنتي مش وعدتيني إنك هتستسلميله تاني ؟؟؟
سمر بوهن :
-يا ماما زينب لو سمحتي إسمعيني . أنا مش رايحة أقابله عشان حاجة . ما إنتي عارفة إن والده إتوفي الإسبوع إللي فات.
زينب بإستهجان :
-الله يرحمه و يحسن إليه ياستي بس إنتي مالك يعني ؟ هياخدك و يقرا عليه في الترب مثلا !
سمر بإنزعاج :
-حرام كده يا ماما زينب . الراجل في ذمة الله دلوقتي ماينفعش نتريق عليه بالشكل ده مايجوزش عليه غير الرحمة.
تنهدت "زينب" بضيق و قالت :
-أنا ماقولتش حاجة يابنتي . بس أنا مضايقة منك و من المماطلة و الكر و الفر إللي بينك و بينه . ما تجيبهاله علي بلاطة كده و قوليله إن إللي بينكوا إنتهي و خلصي نفسك من القرف ده.
سمر بنبرة تفيض حزنا :
-يعني إنتي فكراني مبسوطة بحالي معاه ؟ أنا لحد دلوقتي بستحقره و و لا مرة حسيت معاه بالآمان.
زينب بتعجب :
-أومال ليه ساكتة عليه لحد دلوقتي ؟ و رايحة تقابليه ليه ؟!
-صعبان عليا !
زينب بإستنكار ممزوج بالذهول :
-نعم ياختي ؟!
تنفست "سمر" بعمق و ردت متأثرة بالمشاعر التي أخذت تجيش بصدرها الآن :
-لما كلمني إمبارح . حسيت في صوته نبرة حزن كبيرة أوي .. حسيت بالبرد في صوته . حسيت إنه شرد من نفسه . إنه غرقان و مش عارف يتنفس .. أنا مريت بإللي مر بيه يا ماما زينب و عارفة كويس يعني إيه خسارة أب أو أم . هو يمكن غني جدا و معاه فلوس تعيشه طول عمره مش محتاج لحد . بس الأب و الأم هيفضلوا أغلي حاجة في حياة ولادهم . أغلي من كنور الدنيا و مافيش حاجة ممكن تعوض غيابهم.
نظرت لها "زينب" بيأس و قالت :
-يعني مصممة تروحيله ؟ هتعملي فيها طيبة و هتسيبيه يستغلك تاني ؟ حتي بعد ما عرفتي إن علاقتكوا حرام ؟!
-يا ماما زينب إطمني أكيد مش بيفكر دلوقتي في الحاجات دي هو في إيه و لا إيه بس ؟
زينب بحنق :
-إنتي هتجنيني يابت ؟ عايزة تفهميني إنه عايزك عشان طمعان في شوية حنان ؟؟!!
إنفجرت "سمر" ضاحكة رغما عنها بعد تلفظ "زينب" بالجملة الأخيرة ، لتوبخها السيدة بغيظ :
-و كمان بتضحكي ؟
أقلعت "سمر" عن الضحك سريعا ، ثم قالت بجدية :
-ماما زينب . هو فعلا طمعان في شوية حنان . و أنا مش هقدر أبخل عليه بحاجة بسيطة زي دي حتي لو بكرهه . هو طلب مني كده . أنسي مشاعري تجاهه شوية و أكون لطيفة معاه و بس . و بعدين مهما كان هو بردو ساعدني و أنقذ حياة أختي.
زينب بحدة :
-و خد المقابل غآاالي أووي . خد مستقبلك و ضيعه.
سمر بصرامة :
-خلاص مش هياخد مني حاجة تاني . ده عهد خدته علي نفسي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... تردد "رفعت" كثيرا قبل الإقبال علي هذه الخطوة
لكنه وجد الأمر سهلا ، سيذهب ليطمئن عليها فقط ... علي كل .. مشاعره ، حبه ، عشقه الصامت و القديم لها كل شئ صار طي النسيان الآن ، بل و منذ وفاة أخيه
و كأنها الصفعة التي هوت علي وجهه و أفاقته من تلك الغيبوبة ، فأميرته لم و لن تكن له أبدا و عليه ألا يبقي مسحورا بها بعد الآن .. فقد أدرك متأخرا حقيقة أنها زوجة أخيه ، و أم لرجل ناضج و فتاة بالغة
مشي "رفعت" متجها صوب غرفتها ، لتقابله "صفية" بمنتصف الرواق ..
-أنكل رفعت ! صباح الخير .. قالتها "صفية" بإبتسامة شاحبة
رفعت بإبتسامة متوترة بعض الشئ :
-صباح النور يا صافي . إيه جاية من عند ماما ؟!
-أيوه يا أنكل . صحيت من ربع ساعة و ميعاد الدوا بتاعها كمان شوية لازم تفطر الأول قبل ما تاخده فقلت أنزل أعملها الفطار بنفسي.
رفعت بإهتمام :
-هي حالتها وصلت لفين دلوقتي ؟ ماتحسنتش ؟؟؟
صفية و قد تهدل كتفاها بحزن :
-مش أوي يا أنكل . مامي إنطفت !
آلمه الوصف ، فتكلم بصوت متحشرج و كأن هناك شئ عالق بحنجرته :
-لسا ما بتتكلمش ؟
هزت "صفية" رأسها سلبا :
-لسا.
-طيب بتتواصلي معاها إزاي ؟!
-الدكتور قالها لو حبت تتكلم مع حد فينا ممكن تكتب إللي هي عايزاه علي الورق . و ساعات بتعمل كده فعلا.
أومأ "رفعت" بتفهم ، بينما إستأذنته "صفية" بأدب :
-عن أذنك يا أنكل . هنزل أجيب الفطار عشان ماتأخرش علي ماما.
رفعت بإبتسامة لم تصل إلي عينيه :
-إتفضلي يا حبيبتي.
ذهبت "صفية" ... ليستأنف "رفعت" سيره بإتجاه غرفة "فريال" ..
يطرق بابها مرتين ، ثم يدير المقبض و يلج ببطء ..
كانت نصف ممدة في السرير الكبير ، يغطي نصفها السفلي لحاف سميك باللون الأبيض .. تماما مثل وجهها الشاحب حتي البياض
كان جفناها مطبقين حين شعرت بظل يمتص بقايا ضوء الغرفة المتسلل عبر جوانب عيناها ..
أزاحت أهدابها بتثاقل لتتمكن من الرؤية ... تفاجأت عندما رأته يقف أمامها ، حقا تفاجأت و تملكها غضب شديد
أرادت أن تصرخ في هذه اللحظة و تطرده من هنا فورا ، و بالفعل فتحت فمها لتقصفه بعنف ... لكنها أغلقته ثانيةً عندما وجدت صعوبة في النطق مجددا
أحست بالعجز الآن فقط و إستسلمت للقدر مقهورة ، بينما رمقها بعينين معذبتين و كره نفسه أكثر حين طفقت تحدجه بنظرات إتهام مشمئزة ..
-صباح الخير ! .. قالها "رفعت" بصوت مبحوح ، و تابع :
-إزيك ؟ سلامتك . عاملة إيه دلوقتي يا أم عثمان ؟!
طعنته بنظرة بغض ساخرة ، ليعض علي شفته بقوة و يطرق رأسه شاعرا بالخجل منها ..
يجلس "رفعت" علي كرسي محاذيا للفراش ، ثم يقول دون أن يرفع وجهه إليها :
-أنا عارف إن أي كلام مش ممكن يسكن جرحك أو جرح أي حد فينا . يحيى كان شئ مهم في حياتنا كلنا . كان مهم في حياتي أنا شخصيا رغم إني أخوه الكبير .. يحيى صحيح مش معانا بجسمه . بس أنا متأكد إنه معانا بروحه .. ثم نظر لها و أكمل :
-أنا متأكد إنه هنا معانا يا فريال . متأكد إنه شايفنا و شايفك إنتي بالأخص . الحب إللي بينكوا قوي أوي مش سهل ينتهي و لو حتي بالموت . و بما إنك كنتي و لسا أغلي إنسانة علي قلب أخويا مش عايزك تفضلي زعلانة كده . حالتك لا يمكن تكون عجباه أكيد بيتعذب و هو شايفك تعبانة بالشكل ده و مش قادرة تتكلمي .. و غير كل ده . إنتي لازم تكوني مؤمنة بقضاء ربنا يا فريال . ده عمره و لو ماكانش مات في الحادثة كان هيموت هنا علي سريره.
لو كانت النظرات تقتل لكان "رفعت" الآن في تابوت ... قذفته "فريال" بنظرة فتاكة ، إهتاجت أنفاسها و هي تتلفت ياحثة عن المجلد الذي أعطاه لها الطبيب
عثرت عليه بين الأغطية و إلتقطت القلم ، ثم بدأت بالكتابة فيما يراقبها "رفعت" بإهتمام ... إنتهت و رفعت الورقة أمام ناظريه ..
" إنت إللي قتلته . مش هسيبك يا رفعت هاخد بتاره منك . إنت فاكرني ممكن أعيش لحظة منغير أخوك ؟ أنا في لحظتها كان سهل جدا أروح وراه بس لأ مش قبل ما أبعتك الأول هعيش و هرجع أقف علي رجلي عشان أموتك زي ما موته "
إتسعت عينا "رفعت" و جحظتا من الصدمة ..
-مش ممكن ! .. صاح "رفعت" مذهولا ..
-إنتي .. إنتي متخيلة فعلا . إني ممكن أقتل أخويا ؟ متخيلة إني ممكن آا .. لم يكمل جملته ... أشاح بوجهه محاولا السيطرة علي غضبه قبل أن يتفاقم بشدة ، ثم واصل كلامه بحدة :
-إنتي أكيد الصدمة لسا مآثرة علي دماغك . لو كنتي قولتي أي حاجة تانية . لو كنتي عبرتي عن حزنك بأي طريقة غير الطريقة دي كنت هعذرك لكن لما خيالك يوصل للنقطة دي مش هتلاقي عندي أعذار يا فريال . يحيى ده أخويا قبل ما يكون جوزك و أبو ولادك فاهمة يعني إيه أخويا ؟ حتي لو كنت بحبك و لو كان هو سبقني و وصل لقلبك قبلي مش ممكن هفكر آذيه عشانك . يعني أنا ممكن أفكر أقتل أخويا عشان واحدة ست ؟ إستحالة أخسر أخويا عشانك أو عشان غيرك أو عشان أي حاجة في الدنيا !
في هذه اللحظة سمعا هما الإثنان صوت أشياء تنكسر قريبا منهما ... إلتفتا الشقيق و الزوجة معا ليشاهدا "صفية" ..
تفف متصلبة كتمثال من حجر ، و قد سقطت صينية الطعام من يدها ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تحت سماء النهار الشتوي الغائم ... تنتظر "سمر" علي رصيف جانبي كالعادة
لقد أتت قبل الموعد بعشرة دقائق ، خالت أنها ستنتظر مدة أطول ... و لكنها إستطاعت أن تلمح تلك السيارة الباذخة السوداء أحدث فئات الـ3M لهذا العام
كان يقود بجنون كعادته و بدا أنه و هو يقترب منها علي وشك أن يدهسها ، لكنه توقف في ثانية علي بعد نصف متر منها ..
-إركبي ! .. أمرها بصوت غاضب ، فجفلت بإستغراب لكنها كالمعتاد أيضا أطاعت أمره
إحتلت مكانها بجانبه ، فإنطلق من فوره منعطفا بحدة صوب الملف الشمالي
سلك عدة طرق مختلفة ليست لها علاقة ببعضها ، ظل لمدة نصف ساعة بدون مغالاة يخرج من هذا الإتجاه و يدخل في ذاك ... بيد أنه يدور في حلقة مفرغة ..
-هو إنت بتلف كتير أوي كده ليه ؟ .. قالتها "سمر" بتساؤل و هي تدرس بصعوبة ملامح وجهه المتجهمة
-الطرق دي كلها بتودي لمكان واحد . إحنا عدينا من هنا 5 مرات لحد دلوقتي ! في مشكلة ؟!
عثمان بصلابة :
-مافيش مشكلة و لا حاجة . مجرد إحتيطات بس .. ثم حانت منه إلتفاتة نحوها و هو يكمل بسخرية :
-مش يمكن يكون حد بيراقبنا !
سمر بهلع ممزوج بالصدمة :
-حد بيراقبنا ؟ مين ؟ مين إللي هيكون بيراقبنا ؟؟؟؟؟
عثمان بإبتسامة صفراء :
-ماتاخديش في بالك يا بيبي . أنا بس إللي موسوس شوية و بحب أبقي في الآمان دايما.
سمر بقلق :
-إنت خوفتني علي فكرة . هو في حد يعرف بإللي بينا ؟ إنت قلت لحد ؟؟!!
إشتدت عضلات فكيه بغضب و لم يجبها ... بينما لم تشأ إثارته أكثر ، إذ بدا لها خطير علي نحو لم تألفه و لم تعرف السبب حتي ..
-ما يمكن بيكون كده و هو حزين و مكتئب ! .. تمتمت "سمر" لنفسها و هي لا تزال تراقب تعابير وجهه المتصلبة و يداه القابضتان علي عجلة القيادة بقوة واضحة
-يمكن تكون دي طريقته في التعبير . جايز !!
لم يقلل "عثمان" من سرعة السيارة أبدا ، و سرعان ما دخل شوارع أرقي مناطق المدينة علي الإطلاق ... نظرت "سمر" علي جانب الطريق من جهتها ، لتري مجمع شاليهات فخم مترابط علي أبعاد واسعة متساوية بحيث يضمن المالك خصوصيته
إلتفتت "سمر" إلي "عثمان" ..
-إحنا إيه إللي جابنا هنا ؟ الشقة بتاعتك مش في المكان ده !
عثمان بنبرة خبيثة :
-أنا شخصية ملولة أووي يا سمر . بمل بسرعة من الحاجة و بحب أغير دايما . الشقة بيعتها و إشتريتلك بيت جميل في المكان ده . هيعجبك خالص لما تشوفيه.
بللت "سمر" شفتاها بلسان جاف و هي تشعر بالريبة من تصرفاته ... بينما إنعطف يمينا و أوقف السيارة في فسحة مستطيلة
ثم قال بخشونة دون أن يلتفت نحوها :
-إنزلي !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في وكالة الأنباء الشهيرة ... يجلس المدير مستمرا في هز قدمه بعصبية
ضغط زر الديكتافون للمرة العاشرة حتي الآن و هدر بغضب :
-الزفت عصام لسا ماجآاش و لا بيرد علي التليفون بردو ؟؟؟
ترد السكيرتيرة بنبرة خائفة :
-لسا يافندم . أول ما يجي هبعته لحضرتك علطول !
المدير بعصبية :
-شوفــهـــولي فــيـــــن.
و بعد ثلث ساعة :
-يا أستاذ عبد المنعم عصام فتح موبايله !
عبد المنعم بغضب :
-حوليلي المكالمة .. لحظات و آتي صوت "عصام" :
-صباح الفل يا ريس.
عبد المنعم بحنق :
-صباح الزفت علي دماغك و دماغ إللي خلفوك.
-الله الله ! ليه الغلط ده بس يا ريس ده أنا حبيبك !
-بلا حبيبي بلا قرف . كنت فين يا حيوان من إمبارح ؟ و قافل تليفونك ليــه ؟ أنا مش بعتك في مشوار مهم ؟؟؟
عصام بنبرة متكاسلة :
-معلش بقي خليها عليك المرة دي كان عندي مصلحة بقضيها و موبايلي فصل شحن لسا فاتحه حالا.
عبد المنعم بإنفعال :
-نهارك إسود و مهبب . إنت ماعملتش إللي قولتلك عليه إمبارح ؟!
-لأ يا ريس و دي تيجي . قطرتلك البت و عرفتلك كل حاجة عنها . مش هتصدق أصلا هي مين.
عبد المنعم بنفاذ صبر :
-إنجز ياض.
عصام بضحكة مرحة :
-حاضر . الهانم ياباشا تبقي چيچي الحداد . عارفها طبعا طليقة عثمان البحيري إللي صورناها ليلة الفرح و هي راجعة لأبوها بفستانها !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
إرتعدت "سمر" بقوة ... حين سمعته يصفق باب الغرفة بعنف
لم تود أن تدخل معه إلي هنا ، لكنه كان صارما بطريقة أعجزتها عن التفوه بالكلام لا عن الرفض فحسب ..
إستدارت له بسرعة بعينين واسعتين ... سرت رعشة باردة من مفرق رأسها حتي قدميها و هي تراه ينظر لها بغضب واضح الآن
كان خطير حقا ، أكثر من أي وقت مضي .. بدا أسمر شيطانيا في قميصه الناصع الذي إلتصق بعضلات صدره و عضلات بطنه السداسية
كشر عن أنيابه و هو يقترب منها ببطء ، كنمر يستلذ بفن محاصرة طريدته قبل إفتراسها
-إنت مالك ؟ فيك إيه إنهاردة ؟؟ .. هكذا تساءلت "سمر" و قد فشلت في إخفاء نبرة الخوف في صوتها
عثمان بصوت كفحيح الأفعي :
-إنتي غلطتي غلطة كبيرة . غلطة عمرك يا سمر .. فاكرة نفسك ذكية بالطريقة دي ؟!
سمر بعدم فهم :
-إنت بتقول إيه ؟ أنا مش فاهمة إنت تقصد إيه !!
عثمان بذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة :
-مش فاهمة ؟ لأ حالا هتفهمي .. و إستمر في الأقتراب منها ثانيةً علي نفس الوتيرة المتباطئة
سمر بحدة :
-هتعمل إيه ؟؟؟
-هتعرفي دلوقتي هعمل إيه ! .. قالها "عثمان" و هو يخلع حزام بنطاله و يلف نصفه علي يده
أخذت "سمر" تتراجع للخلف ، فأسقطت في طريقها طاولة صغيرة حملت مزهرية ورود ... تناثر زجاجها و سقطت الشظايا من حولها
هزت رأسها بعصبية ، بينما خاطبها بصوت خفيض مثقل بالغضب و هو لا يزال يتقدم صوبها :
-فاتورتك تقلت أووي معايا . و عديتلك كتـيييير بمزاجي . بس لحد إسمي و شرفي و Stop يا بيبي.
سمر بإستهجان :
-و أنا عملت إيه يمس إسمك أو شرفك ؟!
عثمان بغضب :
-إنتي هتستعبطي يابت و لا إيه ؟ إنتي عارفة كويس إنتي عملتي إيه . بس إوعي تكوني فاكرة إن عمايلك دي هتجيب في صالحك نتايج إيجابية دلوقتي حالا هتشوفي النتايج السودا إللي جبتيها لنفسك.
و فرد ذراعه لأعلي و هو يقطع المسافة بينهما بخطوة واحدة ، لينزل بإبزيم الحزام المعدني بمنتهي العنف في إتجاهها
تفر "سمر" من أمامه في اللحظة المناسبة و هي تحبس أنفاسها مذعورة ، و بدل أن ينزل الحزام علي جسدها نزل علي يد كرسي أثري حطمها و فصلها عن بقية أجزاؤه في الحال ..
-هتروحي مني فين يعني ؟ .. قالها "عثمان" بمرونة
-و رحمة أبويا ما هاسيبك.
إرتجفت مفاصلها من الرعب و إنهمرت دموعها رغم محاولتها في كبحها ..
لحق بها فورا قبل حتي أن تفكر في الفرار ... أمسك بذراعها و شدها إليه صائحا :
-إنتي كمان ؟ إنتي كمان كنتي فاكرة إنك ممكن تخدعيني ؟ ليه ؟ شايفاني بريل ؟ للدرجة دي يبان عليا إني ساذج ممكن يضحك عليا بسهولة ؟ للدرجة دي بتشوفوني كلكوا بني آدم غبي ؟؟؟
سمر و هي تشهق مفزوعة :
-إنت بتقول إيه بس ؟ أنا مش فاهمة حاجة و الله ما فاهمة حاجة !!!
عثمان بشراسة :
-إنتي لسا هتكدبي ؟ أنا خلاص كشفتك . كشفتك رغم إني ماكنتش مديكي خوانة إستغبيت المرة دي فعلا و صدقت إنك بريئة لكن كلكوا طلعتوا صنف واحد صنف ---------- كلكوا زبآاالة.
و دفعها بعنف لتسقط مرتطمة بالأرض الرخامية
تآوهت بآلم و قد إكتشفت إنه إقتلع حجابها بإحدي حركاته الخفية السريعة ، أحاط شعرها بوجهها و إنسدل علي عيناها الدامعتان و هي تنظر إليه من خلالهما برعب ..
-أنا ماعملتش حاجة ! .. همست "سمر" و أكملت بنشيج حار :
-والله ما فاهمة إنت بتعمل كده ليه ؟!
-ده جزائي بعد ما عملت منك بني آدمة ! .. قالها "عثمان" بصياح حاد و قد أعمي الغضب عيناه تماما ، و أكمل :
-إنتي ماتستهليش واحد في المية من إللي عملته معاكي . كنت بدأت أصدق إنك ملاك و إن أنا إللي جنيت عليكي و ضيعتك لكن أثبتيلي بنفسك إنك أرخص من أرخص واحدة عرفتها في حياتي.
ثم هوي بتلك القطعة المعدنية بمنتهي العنف علي ذراعها ، فسمعت "سمر" صوت صراخ يصم الآذان .. أدركت بصدمة ، أنه كان صراخها هي
شعرت بأن أحبالها الصوتية قد تقطعت كلها إثر هذا ، لكنها عادت للصراخ أقوي مجددا حين باغتها بضربة ثانية أعنف من السابقة ..
إستمر "عثمان" في تعذيبها بدون وعي ، و بينما كان يحولها إلي قطعة مدماة ظل يهدر و يزمجر بغضب شديد :
-إنتي كمان خونتيتي . إنتي كمان طلعتي زيها . كلكوا زي بعض أنا الغبي أنا إللي بصدق . أنا غلطآاان أنا إللي حـبـ . أنا إللي جبتك من الشارع أنا إللي نضفتك و إديتك كل تتمنيه و كنت مستعد أديكي أكتر و زي ما تطلبي و إنتي عملتي إيـــــه ؟ خونتيني زيهآااا كلكوا زي بعض و إنتي أسوأ يا سمر أسوأ.
من شدة الآلم ... ما عادت تصرخ "سمر" .. أحست بالخدر يسري في ساقيها و ذراعيها فلم تقو علي الحراك و ظلت مستلقية تحت قدميه ، تتلقي ضرباته بجسارة دون أن تتأوه و دون أن تصرخ ..
شعرت بحلول أجلها ... و رغم أنها لا تعرف ماهية الجرم الذي إرتكبته ليعاقبها هكذا ، إلا أنها كانت سعيدة بتسرب وعيها مع تسرب الدماء من جسدها !!!!
متابعه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق