نَغَانِيشْ
المرأة ثرثارة جداً لا تتوقف عن الحديث كمذياع صغير لا يطاوع زر إطفائه دورة يدك المغلقة. إنها كآلة حادة مُعلقة في جوف البئر لا تتوقف عن الإرتطام بحواشيه مُخلفة خسائر جمّة بالجدار، فتشكل صورة المرأة التي فُتح في وجهها باب الكلام على مصرعيه، تلك الآلة الحادة المتدليّة في جوف بئر يغلف ارتدادُ الصدى صمّته القبلي، العادي، المفروض فيه أن يكون هو المتسيّد للغة الكلام هناك.. لا تتوقف لتسأل، وهي تطالبُك بالإهتمام وبعض الخصوصية في التعامل معها، عن حالتك النفسية وقت ما كانت هي منتظرة منك بعض الود عبر رسالة جامدة، لا تفيّ بتلطيف حُمّى اللوعة في لقاءها لقول كل شيء في وجهها مباشرة، وعينك لعينها حتى تستلذ تجاوبها المفرط في التغنّج .. أضجر من أشياء كثيرة وهذه هي طبيعة الإنسان التي طبعه الله بها ليُّحفزه على التعود والتعلم.. إنني في أحايين كثيرة أكره ملابسي وأتجرد منها متجولا في الغرفة كأحمق فقد بعض توازنه النفسي.. أكره الصباح وأتمنى لو لم تكن هناك دورة نهارية مقسّمة ليستمر الظلام كي لا يرى أيّ أحدٍ ملامح وجهي الغاضبة .. أكره الليل لأنه يقضُّ مضجع الحنين لأحلام كثيرة فأستعجل الصباح للمجيء.. أكره الضحك حين لا تكون لمسبّباته معنًى.. أكره المعنى حين يُضجر سكينة معتقداتي التي لا أحب خسارتها لأنها تحقق لي مجال ارتياح.. أكره الموسيقى التي لا يبحث صاحبها عن لحنٍ يقدم به أسفه لك واعتذاره عن الجميع.. أكره الكلام في التفاصيل الصغيرة التي تحب النساء الخوض فيها لساعات وساعات دون أن يتعبن، وحتى من كانت ميولاتهن تشبه أو توازي ميولاتك في مجال ما، فهن مضجرات في حديثهن متلهفات لمعرفة كل شيء دفعة واحدة. لهذا، ويوم تفاجأ هارون الرشيد بالجارية دنانير ترقص في مجلس البرامكة وقد خُصّص لرقصها حلقة واسعة، خاطبهم ناصحاً:
- حوّطوها كي لا تُسقطكم..
وفعلا، لم تكن دنانير سببا في إبادة البرامكة وحسب، بل كانت السبب في سقوط وزوال إمبراطورية ينظر للسحابة العابرة من فوق أراضيها ويُوّجه لها الخطاب:
- أُُهطلي أينما شئت فخراجك آت إلينا..
النساء مُكلفات عاطفياً في العلاقات.. كل من أعرفهم ومتورطون في علاقة مع احداهن يضجرون من كثرة الملاحقات العاطفية التي تلاحق يومهم.. كل وقت من النهار يلزمهم التعبير عن مشاعرهم بعض النظر عن مشاعره هو وقتها، فيغرقهم التعالي على النفس في متاهة التضجر كل ما التقيت أحدهم..مهمة شاقة أن تتكلّف يومياً بدعم مشاعر طرف بعيد عنك وأنت مهزوز من الداخل، كمهنة حارس خاص يرافق امراة غنية وجميلة، لا يجب فيه أن يمرض، أن يتعب، أن يضجر، أن يغيب، أن لا يجيب، أن يجافي لبرهة، أن يبتعد لمسافة ويقف لينظر للعلاقة، ويحاكمها:
- أ علي أن أستمر!
لهذا فشلت في بناء علاقة والسير بيها لما تروم كل نفسٍ بشرية لتحقيقه، الإستقرار.. كان لها أن تبدأ كطلة ندى، وعبرت بعض المطبات، لكنها سقطت في حفرة قاتلة منتصف الطريق بمبرر أنني قليل الاهتمام، بارد المشاعر، جاف العواطف، جلّف الأحاسيس. لم أتعود على قول "صباح الخير" لوالدتي وهذا أمر لم يزعجها قط وتعرف أني أحبها بغض النظر عن غياب الصباحية.. لم أقل لها في يوم ما "أحبك" كإنعكاس لتربية بسيطة كبرت معنا ومع ذلك تعلم جيدا مقدار الاحاسيس المكنونة في صدري لها.. لما يزعجكن، إذن، عدم حدوث هذه التفاصيل البسيطة غير المهمة في نجاح أي علاقة.!! تشبه هذه التفاصيل شريط شرّاع المركب الذي يسير ويفردُ جناحيّ سَاريته حتى في غيابها، قد تخلق له بعض التوازن إن وجدت، لكن، مطلقاً، لا يشكل غيابها أي مُعرّقل لإبحاره.
ما جدوى أن تنقلي لي جدول مقتنيات اليوم بالتفصيل؟عن كعب عال فقدتيه في حرب تنقلاتك؟ عن تطفل صديقاتك؟ عن الهاتف الذي لم يعد في مقدوره تحمّل تحميل المزيد من التطبيقات؟ ثم أي علاقة تربطني بالمقلاة المُعلقة بجدار المطبخ حتى أعلم من خلال الحديث معك بأنها احترقت لحظة سهوت قليلا عنها.
كل هذا غير مهم لي..
كل ما يهم.. أني أحببتك، إضافة لجمال عينيك، لثلاجتك الكبيرة والرطبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق